قال الصحفي البريطاني روبرت فيسك في مقال نشرته الوطن الكويتية أنه على الرغم من زعم التقارير الدبلوماسية الأمريكية المتسربة بأن قطر مصدر رئيسي لتمويل «الإرهاب» من الأفضل لواشنطن ألا تُفسد علاقتها مع الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، فهو الزعيم العربي الوحيد الذي خرج من مكتب نائب الرئيس الأمريكي بغضب بعد سبع ثوانٍ فقط من دخوله. كما أن محطته التلفزيونية «الجزيرة» - هي تعود إليه فعلاً – أحدثت ثورة في عالم الإعلام بالشرق الأوسط. ويضيف في المقال الذي ترجمه نبيل زلف: صحيح أن قطر بلد صغير في المنطقة لكنها في الحقيقة كبيرة جداً.. جداً، لقد أبلغ أميرها، الذي لا يضارع ذكاءه سوى إحساسه بالفكاهة، أحد الزائرين مرة أنه لو أخرج الأمريكيين من قاعدتهم الجوية الكبيرة في الدوحة – هي أكبر منشأة أمريكية من نوعها في الشرق الأوسط – لبرز احتمال بأن تتعرض قطر لغزو من أشقائها العرب. ولدى سؤاله عما سيقول لو أن أحداً تحدث حول قوله هذا، انفجر الأمير ضاحكاً قائلاً إنه سينكره عندئذ بالتأكيد. لذا، أتصور أن هذا ما سيقوله أيضاً حول آخر مجموعة من البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي نشرها موقع «ويكيليكس» وذكر بعضها أن محطته التلفزيونية برهنت أنها أداة مفيدة لأسيادها السياسيين من حيث تأمينها مصدر قوة وتأثير لن تتخلى عنه قطر على الأرجح. إحراج شديد ويرى فيسك أن«الجزيرة» استمتعت بإحراج واشنطن عندما تقاسمت ما كشفت عنه وثائق «ويكيليكس» مع مشاهديها من خلال قناتيها الإخباريتين باللغتين العربية والإنجليزية لتضع بذلك المتحدثين باسم الحكومة الأمريكية، سواء كانوا رجالاً أو نساء، في موقف لا يُحسدون عليه. وعندما ظهرت البرقيات العراقية التي أكدت تجاهل الولاياتالمتحدة لأعمال التعذيب التي مارستها حكومة المالكي، وضعت «الجزيرة» القائد الأمريكي السابق في العراق على شاشتها ليبدو في موقف حرج وهو يحاول الرد على الأسئلة وتبرير ما حدث. من الواضح أن الأمير يعرف كيف يُحرج أولئك الذين يقفون في طريقه. فهو بصرف النظر عن ثروته الكبيرة، وامتلاكه أجزاء من لندن بالإضافة الى كون بلاده أكبر مصدر للغاز المسال في الشرق الأوسط، لا يتحمل الإهانة بشيء من اللطف. فعندما زار واشنطن في عهد إدارة بوش وتمت دعوته لرؤية ديك تشيني، أحس الأمير بالدهشة عندما شاهد أمام نائب الرئيس الأمريكي آنذاك ملفاً كبيراً على الطاولة يحمل كلمة «الجزيرة». هنا طرح الأمير السؤال التالي: لماذا هذا هنا؟ ورد تشيني قائلاً: إنه يريد أن يتحدث حول تغطية «الجزيرة» إخبارياً للحرب في العراق. هنا رد الأمير على الفور بالقول: «عليك إذاً أن تتحدث مع المحررين والصحافيين في المحطة» ثم خرج مسرعاً من الغرفة. لكن هل الجزيرة «ورقة مساومة» كما تشير البرقيات الدبلوماسية الأمريكية؟ إذ تقول برقية صادرة عن السفارة الأمريكية في الدوحة في نوفمبر 2009 إن محطة «الجزيرة» هي واحدة من أهم الوسائل السياسية والدبلوماسية. فقد تحسنت العلاقات السعودية – القطرية عندما لطفت المحطة تغطيتها لأخبار الأسرة المالكة في السعودية، طبقاً لما ذكرته السفارة. بيد أن المحطة لم تكن لتتردد في فبركة أخبار وحكايات لم تكن تنوي بثها في الحقيقة لتقول فيما بعد إنها ألغت إذاعتها احتراماً لمشاعر المعنيين بها من العرب. اختطاف ويرى فيسك أنه من المؤكد أن قطر تعرف كيف تغيظ أشقاءها العرب، فقد غضب الرئيس مبارك جداً عندما «اختطف» الأمير المحادثات الفلسطينية بين السلطة وحماس، وذلك لأن احتكار مصر لهذه المحادثات كان واحداً من الأشياء القليلة التي تبين أهمية دور مصر أمام الولاياتالمتحدة. وفي الوقت الذي امتدح فيه الأمير حزب الله لمقاتلته إسرائيل عام 2006 إلا أنه كان سعيداً تماماً بمشاركة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الطلبة العرب في «حوار الدوحة». وهناك بالطبع علاقات تجارية بين قطر وإسرائيل. كما تدخل الأمير في الشؤون اللبنانية – كان حكراً على السعوديين – وذلك عندما تمت صياغة اتفاق الدوحة بهدف تجنب حدوث عنف آخر في المستقبل بين حزب الله والحكومة اللبنانية «للحزب مقاعد فيها». والآن بمقدور أمير قطر السخرية من ديموقراطية مصر التي فاز بها الحزب الوطني الديموقراطي الذي يقوده مبارك بنسبة أكثر من %80 في انتخابات مزيفة جرت مؤخراً.. ومن الحكمة أيضاً ألا يصدق الأمريكيون أن رئيس حكومة قطر عرض على الرئيس مبارك أن تتوقف محطة «الجزيرة» عن انتقاداتها مقابل التوصل لسلام دائم بين الفلسطينيين وإسرائيل. ويختتم بقوله: على أي حال، حينما زار مبارك الدوحة، وطلب رؤية مقر «الجزيرة» أحس بالدهشة من حجمها المتواضع وقال: هل تعنون أن علبة الثقاب الصغيرة هذه هي التي تثير أمامي كل هذه المشاكل؟ نعم، كان الواقع على هذا النحو بالضبط.