أثار قانون "عقوبات المخالفات المرورية" في السعودية جدلاً فقهياً بين رجال الدين في المملكة، بعدما رفع القانون العقوبة على منتهكي الأنظمة المرورية إلى حدها الأعلى في حال لم تسدد المخالفة خلال 30 يوماً، ما قاد إلى "خلاف فقهي" حول "شبهة الربا". فرأس الهرم في المؤسسة الدينية، مفتى عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل شيخ وضع هذه الزيادة في دائرة "الربا"، فيما المستشار بالديوان الملكي الشيخ عبدالمحسن العبيكان كان له رأي فقهي مخالف، معتبرا أنه لا شبهة ربوية بها، وأنها ضمن العقوبات التي يقررها ولي الأمر، معتبراً الحديث عن ربوية العقوبة "غير مبني على أي أصل من أصول الشريعة، لأن الربا مبني على المعاوضة والتعامل بين طرفين، أما بالنسبة للمخالفات المرورية فهي عقوبة مالية من قبل وَلِي الأمر، نتيجة انتهاك القانون أو ارتكاب خطأ معيّن، وبالتالي لا تعتبر من الناحية الشرعية ربا"، بحسب ما نقلت صحيفة "الوطن" السعودية، الأحد 7-2-2010. بدوره، وافق مدير عام الشؤون الشرعية ببنك "الجزيرة" محمد دماس الغامدي، على شرعية نظام "مضاعفة المخالفات المرورية"، معتبرا أن "سماحة المفتي اعتبرها نوعاً من الربا، وتندرج ضمن إطار التعويض عن التأخير، وهذا ليس صحيحاً، بل هي نوع من التغليظ في العقوبة". مضيفاً، "أنها صممت وصيغت في هيكل الغرامات المرورية، وهذه الزيادة لم تقم على مفاوضة بين طرفين، بل هي غرامة متدرجة، ونوع من التغليظ في العقوبة". من جهته اعتبر المستشار القانوني باسم عالم "أنه يحق لإدارة المرور وغيرها من الجهات المختصة، اعتماد رسوم مالية، كنوع من التغليظ في العقوبة للمخالفين، ما دام الأمر اعتمد من مجلس الوزراء. نافيا وجود أي مخالفة قانونية في ذلك. ورأى أن "ما استشكل على المفتي من كون ذلك نوعاً من الربا مثل البنوك، قرار غير صائب، وفتوى في غير محلها". موضحا أن "هناك فتاوى لعلماء معاصرين ارتكزت على حديث الرسول (مطل الغني ظلم) في تغليظ العقوبة المالية". توضيح إدارة المرور لكن مدير الإدارة العامة للمرور اللواء سليمان بن عبدالرحمن العجلان، اعتبر أن هنالك لبسا عاما في فهم الموضوع من قبل جمهور الناس، أو من سمعه للوهلة الأولى، دون أن يدقق في تفاصيله. وكان العجلان أشار إلى أن غالبية المواطنين يعتقدون أن المخالفات عند عدم تسديدها، سوف تتضاعف وتزداد بصفة مستمرة، مبينا أن المخالفات المرورية تحتسب بالحد الأدنى لمن أراد التسديد خلال 30 يوماً من تاريخ تسجيلها في الحاسب الآلي، وليس من تاريخ التحرير، كمساعدة للمواطنين حسب نظام المرور. بالإضافة إلى أنه لا يتم مضاعفتها كما يعتقد الكثيرون، بل تحتسب بالحد الأعلى في حال مضي الثلاثين يوماً الأولى المخصصة للتخفيض. لكن هذا التفسير لم يقنع الخبير الشرعي وعميد كلية الشريعة بجامعة الإمام سابقاً سعود الفنيسان، الذي وجد أن ذلك"لا ينفي عن تلك الزيادة صفة الربوية"، وإن كانت لمرة واحدة. معقبا "تستطيع إدارة المرور بدلاً من هذه الزيادات أو المضاعفات، أن تخرج من هذا الحرج الشرعي برفع سقف المخالفة، دون زيادة". وأيد الفنيسان رأي المفتي، مشددا على "أنه لا يحق للإدارة العامة للمرور أن تصدر قراراً فيه مخالفة شرعية صريحة، تتمثل في الربا من تلك المضاعفة، وليس هناك مجال للجدل والنقاش في ظل واقع ربوي صريح، تنتهجه إدارة المرور من تلك المضاعفة والزيادة". مضيفاً "أن نظام الحكم الأساسي الذي قامت عليه المملكة العربية السعودية، وهو الشريعة الإسلامية يلزم الإدارة العامة للمرور بالتراجع عن ذلك القرار، والانصياع لقرار سماحة المفتي، أعلى هرم في المؤسسة الدينية في البلاد". رد الأموال المضاعفة وذهب معارضو القانون المروري محل الجدل للقول إنه يجب على إدارة المرور "باعتبار قرارها غير شرعي، رد أموال الناس (المخالفين) المضاعفة لأنه يعتبر ظلماً، ومخالفاً لنصوص الشريعة، حيث قال تعالى :(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)"، بحسب الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء عبد الله الطريقي، الذي اعتبر أن إدارة المرور "تستطيع أن تقترح العديد من الغرامات الترويعية تجاه المخالفين، دون الدخول في قضايا شرعية قطعية". تجدر الإشارة إلى أن نظام المرور الجديد يقرّ زيادة مبلغ المخالفة التي حررها رجل المرور إلى حدها الأعلى خلال شهر من تاريخه، إذا لم يقم المواطن أو المقيم بالتسديد. حيث يتم رفع القيمة المالية للمخالفة إلى سقفها الأعلى لمرة واحدة فقط. النظام جزأ توزيع المخالفات المرورية إلى أربع فئات: الفئة الأولى، رفع مبلغ المخالفة من 500 ريال إلى 900 ريال خلال شهر، ومن هذه المخالفات: قيادة المركبة قبل الحصول على رخصة قيادة، وسير المركبة بدون لوحات، أو قيادة المركبة تحت تأثير الكحول، وقطع الإشارة، والسير عكس اتجاه السير، وتجاوز السرعة المسموح بها. أما الفئة الثانية، فتشمل رفع مبلغ المخالفة من 300 ريال إلى 500 ريال، ومن هذه المخالفات: التعديل على هيكل السيارة، وعدم الوقوف عند نقاط التفتيش، ونقل عدد أكبر من الركاب المسموح به في المركبة، وعدم إعطاء أفضلية المرور للسيارات الرسمية، إضافة إلى القيادة برخصة منتهية. الفئة الثالثة، وفيها يتم رفع مبلغ المخالفة من 150 ريالا إلى 300 ريال، ومن هذه المخالفات: عدم تقديم المركبة للفحص الدوري، وعدم حمل رخصة قيادة، وعدم المحافظة على لوحات المركبة، وإساءة استعمال منبه المركبة. أما الفئة الرابعة، وهي أقل الفئات، وفيها يتم رفع مبلغ المخالفة من 100 ريال إلى 150 ريالا، ومن هذه المخالفات: رمي أي أجسام خارج المركبة أثناء سيرها، والتباطؤ في السير على نحو يعرقل الحركة المرورية، إضافة إلى الانشغال بغير الطريق أثناء قيادة المركبة