نقلا عن الشرق الأوسط اللندينية : دعا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد أمس مواطني بلاده إلى التمسك بالوحدة الوطنية، في مبادرة منه لوقف التصعيدات الاجتماعية الفئوية والطائفية التي تشهدها البلاد منذ أسبوعين، ولاحتواء الأزمة السياسية بين نواب المعارضة والحكومة. وعبر الشيخ صباح عن خشيته من «انتكاسة مفصلية للممارسة الديمقراطية بفعل الإفراط في تسييس الأمور والخروج على الضوابط التي رسمها الدستور»، مشيرا إلى أن «الخلل السياسي والعلاقة غير الصحيحة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أصبحت حملا ثقيلا يقوض المكتسبات والإنجازات ويمس الثوابت الوطنية». وحمل الشيخ صباح الأحمد في كلمة بثها التلفزيون الرسمي مساء أمس البرلمان والحكومة «مسؤولية تأمين مقومات راسخة تكفل بناء شراكة حقيقية وتعاون إيجابي بين السلطتين التزاما بالأطر الدستورية، والاحتكام إلى قرار الحوار الراقي الرصين القائم على سعة الأفق، والحرص على المصلحة العامة في النقاش واحترام الرأي الآخر». وتزامنت كلمة الشيخ صباح مع تنامي موجة تصعيدات حادة تقودها الأقلية المعارضة في الكويت ضد الحكومة ورئيسها منذ أسبوعين على خلفية بث برنامج في قناة فضائية محلية تعرض لنواب قبليين وتطرق إلى ملف ازدواج الجنسية، إضافة إلى وجود اصطفاف طائفي سببه مركز دعوي سلفي دعا لاعتبار يوم عاشوراء يوم فرح وسرور ما أثار الشيعة، وكذلك ازدياد الدعوات لإجراء تعديلات على الدستور، ما خلق حالة من التشنج شهدتها الكويت خلال الأيام الأخيرة، ودفعت بالنواب إلى النزول إلى الشارع وحشد مناصريهم للضغط على الحكومة، ودفع رئيسها لصعود منصة الاستجواب وإقالة وزيري الإعلام والداخلية. واعتبر ما يحدث في الشارع من حشد وشحن «فوضى وتمردا على الأسس والتقاليد الاجتماعية»، مبينا أن «للممارسات الديمقراطية أصولها وحدودها وأدواتها الدستورية التي تمارس من خلالها في الزمان والمكان المحدد لها، فإن خرجت عن زمانها ومكانها وإطارها الدستوري فإنها تتحول إلى فوضى وتمرد على الأسس والقواعد والأعراف والتقاليد الاجتماعية، ودستورنا الذي ارتضيناه جاء على نحو من الشمولية والانفتاح والتكامل يتسع للتعبير عن مختلف الآراء والطروحات، غنيا بالأحكام التي تكفل انضباط كافة الممارسات النيابية الصحيحة وتصل بها إلى غاياتها في تحقيق المصلحة العامة». وحذر من أن «هذه الأجواء القاتمة والممارسات الانفعالية غير محسوبة التداعيات والعواقب، تهدد بالخطر الشديد أعز ما نملك من مكتسباتنا وثوابتنا الوطنية»، ومعتبرا أن هذه «الأجواء مشحونة بالنزعات والنعرات المقيتة بما تحمله من بذور الفتنة تهدد ركائز ومقومات مجتمعنا في أمنه واستقراره ومجمل مناحي حياته». ورفض الشيخ صباح تنامي الحديث عن توجهات لتعديل الدستور بما يقوض الحريات والمكتسبات السياسية، وكذلك نزول نواب المعارضة إلى الشارع، معتبرا «أننا نؤمن إيمانا راسخا بالمبادئ الدستورية التي يجب أن تستقر وتعمق الممارسة السليمة التي تكون من خلال الأدوات الدستورية وتحت قبة مجلس الأمة، وليس من خلال تأجيج المشاعر واستخدام أساليب الإثارة والتحريض والتشكيك عبر الخطب ووسائل الإعلام المختلفة». وحذر مواطني بلاده من مخاطر ما سماه «الفتنة البغيضة» وطالبهم بأن يعوها، إذ «لا يجدي معها حل أو علاج ولن يكون فيها رابح، فالخاسر فيها دائما هو الوطن، والذي يدفع الثمن هو الجميع، ولعل خير شاهد على ذلك ما تعرضت له مجتمعات ودول من شرور وتداعيات الفتن، وما ترتب عليها من انشقاق وعداوات طالت أبناء البيت الواحد أتت على مقدراتها وأكلت الأخضر واليابس فيها. نسأل الله تعالى أن يقينا شرها وخطرها». ورأى أمير البلاد أن الافتخار «بالديمقراطية وأجواء الحرية التي ننعم بها، يتطلب أن ندرك أنها أداة تستوجب المصلحة الوطنية، وأن نحسن استخدامها لتحقق غاياتها، وأن نعمل جميعا على تحصينها من الممارسات المسيئة، وحمايتها من العبث والتشويه، حتى لا تعم الفوضى ويتفشى الانفلات وينجح البعض في تحويل هذه النعمة الطيبة إلى عبء ووبال علينا». وشدد الشيخ صباح الأحمد في كلمته على أنه «ليس من الديمقراطية والحرية ما يسمح بالتعدي على قيمنا وثوابتنا الوطنية أو بالتطاول والتجريح للآخرين والحط من كرامتهم، كما هو ليس من الديمقراطية والحرية بشيء أن يتم انتهاك وتجاوز الدستور والقانون باسم الدستور والقانون». وطالب بضرورة «تنزيه حواراتنا عن التشكيك والأحقاد والضغائن، فالنهج الديمقراطي الذي ارتضيناه منظومة قيم حية تكرس جوهر المواطنة الصالحة في جميع ممارساتنا، وهي تؤلف وتجمع ولا تشتت أو تفرق، وهي الممارسة الإيجابية الواعية للواجبات قبل الحقوق». وخصص الشيخ صباح الأحمد جزءا من كلمته لوسائل الإعلام التي طالبها بلعب «دور إيجابي مسؤول من خلال الالتزام بالمعايير المهنية السليمة، والأداء الإعلامي الواعي الحر المسؤول، لأن إعلامنا جزء أساسي من نظامنا الديمقراطي». كما انتقد «بعض الممارسات والاجتهادات الإعلامية غير المسؤولة التي لا يجوز التهاون إزاءها، فنحن لا نريد لإعلامنا الانحراف عن رسالته الوطنية السامية فيما يهدد الوحدة الوطنية والأمن الاجتماعي ويعكر صفو العلاقات الخارجية، ليكون دائما مشعلا حضاريا مشهودا للمعرفة في دقته وحياده وإنصافه وأداة إيجابية فعالة في دعم جهود البناء والتنمية ومنبرا للحرية المسؤولة والرأي العام المستنير».