حمل استطلاع الرأي العام العربي لسنة 2008، وهو جزء من الاستطلاع السنوي الذي يشرف على إنجازه الباحث شبلي تلحمي-- أستاذ كرسي أنور السادات للسلام والتنمية في جامعة ماريلاند—جملة من النتائج المعبرة، ومن أبرزها: %61 من المستطلعين يعتقدون أن انسحاب أمريكا من العراق سيوفر فرصة للسلام ونبذ الخلافات القائمة بين الفرقاء في هذا البلد. إن غالبية العرب لا يرون أن إيران تشكل تهديدا للمنطقة العربية، و44% من المستطلعين يرون أن حصول إيران على أسلحة نووية قد يكون له آثار إيجابية على المنطقة. يولي الرأي العام العربي بنسبة 86% الأولوية للقضية الفلسطينية ويصنفها في خانة أهم القضايا إطلاقا أو على الأقل ضمن أهم ثلاث قضايا يعينها المستطلعون. فيما يتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني، فعدد المتعاطفين مع منظمة فتح 8%، في مقابل 18% مع حماس، و38% معهما معا. وبخصوص ما حدث في فلسطين من مشاكل بين الطرفين، يعتبر 15% أن المخطئ هو حماس، بينما يعتبر 23% أن السلطة المعينة من طرف محمود عباس هم المخطئون، ويذهب 38% من الرأي العام العربي إلى إدانتهما معا فيما حدث. بخصوص الأزمة اللبنانية، عبر 9% من المستطلعين عن تعاطفهم مع الأغلبية الحاكمة، في مقابل 30% بالنسبة ل حزب الله. بالنسبة لشعبية الزعماء العرب والمسلمين، ما تزال شعبية حسن نصر الله في تصاعد، بحيث حظي ب 26% من الرأي العام العربي؛ ويأتي بعده الرئيس السوري بشار الأسد بنسبة 16%، مقارنة مع 2% لفائدة الرئيس الليبي معمر القذافي. وبخصوص الموقف من الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد عبر 83% من الرأي العام العربي عن موقف سلبي من هذا البلد، كما أن 70% لا يثقون في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ما تزال فرنسا تتمتع بشعبية لدى الرأي العام العربي، كما أن الصين تزداد شعبية، في مقابل باكستان التي انخفضت شعبيتها. وبخصوص الإعلام، تظل الجزيرة هي الرائدة لدى 53% من الرأي العام العربي، وتليها القنوات المصرية مجتمعة ب 17%، ثم العربية ب 9%. أما قناة الحرة فلا تشاهدها إلا نسبة 2% من المستطلعين. إن هذا الاستطلاع، وإن كانت صياغة أسئلته تعبر عن توجهات أصحابه الفكرية وقناعاتهم السياسية، فهو لا يخلو من قيمة علمية حقيقية. فنتائج الاستطلاع تعكس حالة الوعي العربي، كما تجلي مجموعة من الحقائق المتعلقة لا بواقع المنطقة العربية السياسي فحسب، بل بنظرة أبناء المنطقة إلى ذاتهم وعلاقة هذه الذات مع العالم الخارجي والقوى المؤثرة فيه. ولئن كانت الأرقام والنسب المتضمنة في الاستطلاع غاية في الأهمية، فإن قراءة هذه الأرقام وهذه النسب قد تتمتع بأهمية أكبر بالنظر إلى ما تنطوي عليه من دلالات صريحة وفي الإعلام العربي: تظل الجزيرة على رأس القنوات العربية من حيث عدد المتابعة، بحيث تتجاوز القنوات الأخرى بأضعاف مضاعفة. ولعل السر فيما تحظى به الجزيرة من قبول لدى المشاهد العربي يكمن في طرائق تغطيتها لأحداث المنطقة وتوفقها في التعبير عن نبض الشعوب العربية وانحيازها إليها، عوض الانحياز إلى مواقف النخب السياسية والمثقفة المقطوعة عن المجتمعات العربية. لا يعدل نجاح الجزيرة في استقطاب المشاهدين في العالم العربي إلا إخفاق غيرها من القنوات وفشلها في صناعة هذا الرأي العام أو إعادة تشكيله. فقناة الحرة الأمريكية لا تظفر إلا ب 2% من الاهتمام لدى المشاهد العربي. والواضح أن سر نجاح الجزيرة في هذا المجال هو أمر متعلق بانحيازها إلى الشعوب العربية عوض النخب السياسية والمثقفة. والجزيرة لا تصنع رأيا عاما عربيا بقدر ما تعكسه وهي تقف على نفس الأرضية الثقافية التي يقف عليها هذا الرأي العام، وتتغذى من نفس المناخ الفكري الذي يتغذى منه.