وزاراتنا وهيئاتنا العامة أصبحت تعج بالاستراتيجات والخطط العملاقة المدججة بالأرقام الفلكية. لقد تجاوز البعض مفردة خطة، وانتقل إلى مرحلة الاستراتيجية، ضع ما يناسبك من أرقام وتواريخ، وأعلن عن تفاصيل الاستراتيجية الوطنية لزراعة الفجل لتكون عناوين الصحف في اليوم التالي، وافعل بعد ذلك ما تريد فلن يسألك أحد!! استراتيجية الرعاية الصحية التي اعتمدها مجلس الوزراء عام 2009م نصت السياسة الأولى في الأساس الاستراتيجي على تطبيق الضمان الصحي التعاوني، وقبل تطبيق الاستراتيجية كانت خطة الوزارة (قبل أن تتطور إلى استراتيجية) تقضي بأن يتم تطبيق الضمان الصحي على المواطنين عام 2007م. الاستراتيجية الوطنية للسياحة التي أقرت من مجلس الوزراء عام 1425م كانت تقضي بتحقيق ما بين (1.5 2.3) مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة بحلول عام 2020م، وأن يرتفع عدد السياح القادمون من الخارج إلى 141 مليون سائح (ما يوازي فرنسا وإسبانيا اليوم)، ولا أعرف سر المليون الزائر على ال140 سوى المنهجية الدقيقة للدراسة التي توصلت لهذا الرقم. خطط وقرارات هيئة الاستثمار المتراكمة والمتضاربة (ليست واحدة)، وأرقامها المعلنة عام 1425 تنص على إقامة خمس مدن اقتصادية تصل عوائدها إلى 560 مليارا خلال عشر سنوات وتحقيق 700 ألف فرصة عمل. خطة وزارة العمل (الحاسمة) والمعلنة (1425) كانت تقضي بأن البطالة ستكون «في ذمة التاريخ» ما بين (3 9 سنوات)!! المساحة لا تتسع لاستعراض هذه الاسترايجيات الورقية التي كانت تطبع على مجلدات من الديباج، وتسك عناوينها بماء الذهب ليتم تداولها في الاجتماعات الرسمية وتقديمها للشخصيات الاعتبارية. ليست مشكلتي هنا عدم تنفيذ هذه الاستراتيجيات وأسباب ذلك؛ لأن الإجابة عن هذا السؤال تختزل مشكلة البلد كلها، لكن سؤالي: من الذي ضرب على يد معالي الوزير أو الرئيس ليقدم مثل هذه الخزعبلات الرقمية، وهو يعلم البير وغطاه.