كتب حسن بن سالم في جريدة "الحياة" الثلاثاء الماضي يتساءل عن وقت الإفراج عن نظام الجمعيات الأهلية، الذي صدرت موافقة مجلس الشورى عليه في كانون الثاني (يناير) 2008 بما أسمته نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، لكن هذا النظام لم يتم اعتماده بعد. وقبل ثلاثة أسابيع كان من ضمن ما اتفقت عليه أعمال القمة العربية الاقتصادية دعم مؤسسات المجتمع المدني فيما جاء نصه: "نعرب عن ارتياحنا لما توصل إليه المنتدى الثالث للمجتمع المدني العربي للقمة التنموية من أطر لمزيد من الشراكة الفاعلة بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق التنمية الاجتماعية المنشودة". وحين صرح معالي رئيس هيئة مكافحة الفساد عن دور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد في لقاء له على القناة الأولى، كتب خالد الوابل الناشط التويتري المعروف لحساب الهيئة في "تويتر" يسأله عن هذه المؤسسات فجاء الرد عليه: إن الدعوة موجهة إليه ولمن هم مثله من الناشطين باقتراح أي مؤسسة أو جمعية يرونها. فبادر الوابل بوسم أسماه الجمعية الأهلية لمكافحة الفساد، وبدأ الكثير ممن يرتفع لديهم حس المسؤولية العالية تجاه هذا الوطن في المشاركة في الوسم بالرأي والدعم، وهو يسعى الآن ومعه مجموعة من المهتمين لترخيص الجمعية على أرض الواقع والبدء بتفعيلها. وحين سألت الوابل عن الخطوة المقبلة للجمعية بعد الحصول على الترخيص أجابني بمحاربة الفساد بالطرق الممكنة والفاعلة لإكمال العمل الحكومي بعمل شعبي. استوقفتني كثيرًا العبارة الأخيرة بهدف "تكامل العمل الشعبي والحكومي"، وشدة احتياج البلد إلى هذا التوجه، فالعمل الحكومي في حاجة فعلية إلى تكاتف الناس معه في المسؤولية والعبء، ولا يخفى على أحد أن شعوب الدول المتقدمة من أساس تقدمها أن المجتمعات بكل قطاعاتها تتقاسم مسؤولية أوطانها؛ وهذا من شأنه أن يعزز من ولاء الشعوب بكل طبقاتهم لأوطانهم، فيكون الانتماء والاستقرار في أجمل وأبهى صوره. تفاءلت بالجمعية لمبادرتها وبتأييد من رئيس هيئة مكافحة الفساد، ومن قبله ما أوصت وأقرّت به القمة العربية، رغم أن الجمعية لم تبدأ بعد، لكن حين يصل الشعب السعودي إلى مستوى الفاعل والمتحرك وليس فقط الطالب أو الشاكي المنتظر. هذا في حد ذاته مشهد حي وحاضر على نضج الشعب ورغبته الأكيدة في استقرار هذا الوطن بتفعيل كفاءاته المخلصة له؛ فالوطن الذي لا يحمل همه أفراده من جميع القطاعات هو بالتأكيد يعاني فجوة صعبة وخطيرة لا يمكن سدها أو تعويضها. وسيبقى الفاصل والحاسم لاحترام الرغبة الشعبية حقيقة لا نظريًا في تسهيل الإجراء الحكومي للترخيص لهذه الجمعية. يبدو جليًا أن الثقافة الشعبية في محاربة الفساد عالية لدى كل أطياف المجتمع السعودي بطبقاته وأعماره كافة، والوعي بها يرتفع ويزيد ليس فقط لدى النخبة، ففي الدراسة التي قمت بها عن أولويات الرأي العام السعودي كان الهم الأول الذي يشغل عينة الشباب الجامعي هو الفساد، بل سبق أولوياتهم الأخرى كالسكن والبطالة وقضايا المرأة، يقول الدكتور جاسم سلطان: "حين لا يتواصل نظامان بشكل جيد، فالحاجة ماسة إلى وسيط بينهما ليتعرفا على بعضهما بعضًا، ولا أجد بديلاً عن مؤسسات المجتمع المدني لتكون وسيطًا بين نظام الأجهزة الحكومية ونظام المستفيدين منها".