الدين في المملكة ليس مفهوماً فلسفياً أو أخلاقياً يتجادل حوله أصحاب نظريات الكلام، وليس خيارا مطروحا ضمن خيارات متعددة لك أن تطرحه من خياراتك وتقبل بغيره.. الدين هوية جامعة لكل محددات الانتماء والولاء ..، فآية : " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " التي يحتج بها أصحاب الاتجاهات الهوائية، لا تعد مفهوما تفاضليا في الوقت الحاضر، فالمجتمع السعودي معروف أنه شاء وآمن، حدد خياراته وجهة انتمائه، وكل انتماء لديه غير الدين الاسلامي يعتبر تعديا على الاركان الضابطة لهويته الوطنية. في كل بلاد الدنيا اين ما اتجهت يطلب منك ان تحترم دستور الدولة التي تتواجد بها مثل ما يحترمه ابناؤها ويعتبر ذلك قمة التحضر والمدنية، وأي مخالفة لهذه القاعدة تحسب اهانة لتاريخ الدولة وشعبها، فالدستور هو الشكل العملي والانساني لصورة الهوية . عندنا اليوم يوجد الف اجتهاد واجتهاد، وعقول اتعبها الكد الذهني، لتقول بعد عناء : " اننا نعيش في قرية كونية " وهذا جهد ذهني مبارك ولا خلاف عليه، عصر يطوي عصرا، او مرحلة تتوالد على إثرها مراحل، وقرية العالم الكونية هي مساحة ضيقة جدا، وغير أمينة للاختلاف، قرية ترتبك فيها الاخلاق والقناعات، فإنكار الدين فيها حرية رأي واعتقاد، وهدم مآذن الصلاة بها انعتاق من عبودية الزمن، قريتنا الكونية، عفوا قريتهم، هي تعبير عن هوية مرحلة لا تقبل أن يكون الدين الاسلامي جزءا منها، الا إن كان حضورا يشبه موجات البث الفضائي ترسل منها عبارات التهديد وصور الإزالة، لذلك نحن فقط مشروع خطر في هوية العالم الكونية، يمكن هذه القناعة لا تعجب القليل أو الكثير منا - ليس مهماً العدد - الذين يتباهون بتفردهم العالمي، بدون أن يتباهى بهم العالم، يجمعنا معهم الاختلاف ويفرقنا عنهم الخلاف، نغضب إن وصفونا بمخلفات العصر مرة، ونحيا بهذا الوصف حينا من الدهر مرة عندما نشاهد صورهم المتسولة أمام نخبة العالم المتعولم وهم يمسحون الأرض من تحت أحذيتهم ليتصدقوا عليهم بنظرة مشجعة تجعل من بأسهم الدائم آية ولاء لكل صوت يعبر عن لغة لا يفهمونها، المهم لديهم أن يكونوا مختلفين عن ثقافتهم الأصلية بأي شكل كان . وأدُوا هويتهم مثل ما وأد أهل الجاهلية بناتهم، فكلما يساقون الى جدل المعرفة ونقاشها، وأدوا أفكار المحجة بذكر "طالبان والقاعدة " وكأنها الحالة الإسلامية الوحيدة المعرّفة بحال المسلمين، يعرفون جيدا ملا عمر، وابن لادن، ولكنهم لا يعرفون الشيخ ابن باز، وابن عثيمين، يريدون أن يسيروا بنا حيث يكون هناك اتهام ومكافحة إرهاب، وبعد أن تأكل جمرات الاتهام صدورنا، يقولون : "ذوقوا عذاب إسلامكم السلفي الذي به تفرحون ". آية عذاب حضارية تتلى علينا مع كل دورة شمس ونهار، تتوعدنا بالهزيمة إن خالفناها، وبالعبودية إن اتبعناها. إن كانت حضارتهم تفخر برفع باراك أوباما الى قمة الحكم، فسلفيتنا سبقتها بقرن ونصف من زمن، ورفعت سيدنا بلالاً فوق مراتب من كانوا له سادة، الذي مازال يكرم الى اليوم رغم مرور هذا الزمن الطويل، فهل يبقى تكريمهم لاوباما زمنا طويلا؟ هذا ما سوف يخبرنا به سكان القرية الكونية بعد أن تصبح كوخا كونيا، وبعد أن نرحل نحن الذين أحببنا السلف، وسيأتي بعدنا قوم يحبون السلف أيضا..