إن هدر دم الإنسان، أو قتله، أو التسبب في ذلك عن طريق إرهابه تهديداً، ومطاردةً، أشد عند الله من هدم الكعبة، فأرواح الناس لم يخلقها الله تعالى لتكون لعبة بيد بعض رجال «الحسبة أو غيرهم من المستهترين بحياة خلقه وآدميتهم، ممن يرون أنفسهم فوق مستوى البشر، وأنه يجوز لهم ما حرمه الله، ولو كانوا يخافون الله حقيقة لكانوا أدركوا غضبه على حرماته التي من أولوياتها حياة الناس والحفاظ على سلامتها. إن حرمات الأنفس عند الله أكثر استدعاءً لغضبه وانتقامه مهما برر المبررون، ومهما تحمس الدهماء والفارغون من العقل، والمنطق، والوعي، اهتزت الأرجاء في جميع مناطق السعودية من كارثة موت «الغامدي»، بسبب مطاردة موظفي هيئة بلجرشي له، وترمل زوجته، وتعرض أطفاله للخطر بين الحياة والموت، ما يجعلها حادثة جنائية بكل المقاييس مع سبق الإصرار والترصد. لا أعرف هؤلاء الذين تسببوا في قتله وتخليهم عن إنقاذه، مع علمهم أنه لولا استفزازهم ومطاردتهم لما حدث له ذلك، ولا أعرف كيف يدعون الخوف من الله فيرتكبون المحرمات باسمه وباسم دينه. ضمائر ميتة، وعقول لا تدرك من الحقوق الإنسانية غير سلطتها في التسلط على الناس، والوصاية على نياتهم ودينهم وأعمالهم، ليتدخلوا بين الله وخلقه الذي هو أدرى بخبايا نفوسهم. وعلى رغم أن رئيس الهيئة أصدر أوامره بعدم تعقب الناس ومطاردتهم إلا أن هذه بقيت كالحبر على الورق، في تحدٍ صريح، وهنا تكمن الكارثة، عندما تعلق المسألة بالأخطاء الفردية، والخطأ الفردي إذا لم يردع صاحبه بالعقاب العادل فإنه يتطور إلى أخطاء أكثر فظاعة، وأشد بشاعة، والقرار الذي يصدر ولا يجد الحزم في متابعته وتنفيذه كعدمه تماماً، وقد قيل «من أمن العقوبة أساء الأدب»، وليت الأمر اقتصر على إساءة الأدب، لكنه تجاوزها إلى قتل النفس وإزهاقها باسم الفضيلة التي هم في أمس الحاجة لسلوكها إلا أنهم يرون ترويع الناس وتعقبهم، وإماتتهم، هو الفضيلة لتكن أداة لتدمير للبشر. علماً بأن وظيفة الحسبة معروفة منذ العصر الأول للإسلام، والجهلاء فقط هم الذين لا يعرفون أن وظيفتها هي مراقبة الغش والغشاشين، لكن بعض المبررين ممن تعودوا التبعية لعقولهم الغافلة أعطوا هؤلاء الرجال قدسية تفوق قدسية الأنبياء، فأعطوهم عصمة تحلل لهم قتل الناس، وتعينهم على شرارة الطيش والمنكر الذي يحاربون باسمه ويرتكبونه في أشد حالاته خطورة وجرماً. ولو حدث لهؤلاء ما حدث للغامدي ومات أولادهم ونساؤهم لرأيتهم أول المستنكرين والمحاربين لأخطاء رجال الهيئة. المهم الآن هو أن تثبت الهيئة صدقيتها بالتصدي لأخطاء أفرادها ومعاقبتهم بما يليق بأفعالهم المتطرفة في التعامل مع الناس قولاً وفعلاً، بل وفصل كل من لا ينفذ القرارات ويمتثل للأوامر الصادرة من جهاز الهيئة، وإلا فإن الأمور ستصبح في غاية الفوضى، لتكون هناك هيئة في داخل هيئة، وبعدها فإن الدور على الدهماء الجهلة من العامة الذين يقدسون الأفراد وينظرون إليهم بقداسة لينجوا من العقاب، وهؤلاء لا يجوز لهم إلا العقاب تماماً كالمرتكب للخطأ، ومن ثم فإن هؤلاء الذين تسببوا في مقتل الغامدي يجب أن يقدموا للعدالة وينالوا القصاص العادل الذي لن يجعل الآخرين مستقبلاً يتجرؤون على حياة الناس.