تسلّط التقارير الصادرة عن الجمعيات والهيئات الأهلية المدنية غير الحكومية وبخاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان الضوء على مواطن القصور والخلل في معيارية الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان المتفق عليها عالميًا من خلال التوقيع على المواثيق والاتفاقيات الدولية أو من خلال القوانين والتشريعات المعمول بها محليًا. كما أنها ترفع الغطاء عن الممارسات المنافية لحقوق الإنسان وفي نفس الوقت تزيل اللبس والمبالغات الإعلامية في مواطن أخرى، مما يعني في نهاية المطاف أن تلك التقارير ليست في مجملها سلبية في محتواها وتوصياتها. وبالاطلاع على التوصيات الرئيسية التي تضمنها التقرير الثالث عن أحوال حقوق الإنسان في السعودية، الصادر عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، تحت عنوان «طموح قيادة وعجز أجهزة» يستشعر الفرد مدى أهمية صدور مثل تلك التقارير دوريًا وبمزيد من الشفافية والحيادية؛ لأن مثل تلك التقارير متى ما أعدت وكتبت وقدّمت بمهنية وشفافية عالية، كما هو الحال في تقرير الجمعية الثالث فإنها تغدو صوتًا حقوقيًا مدنيًا مفصليًا للمواطن والمواطنة والمقيم وطريقًا ممنهجًا لاستعادة تلك الحقوق وتحسين ظروف الحصول عليها لدى الوزارات والمحاكم والهيئات الحكومية في فترة زمنية معينة، وهو ما يقع في خانة تحديد المسؤولية والمراقبة والمساءلة وبخاصة لدى الجهات الحكومية ومسؤوليها ذات الحس الحقوقي المتبلد كما وصفها التقرير. الحل الأمثل للمساهمة في ردم هذه الفجوة هو العمل على تطوير وتطبيق لوائح وتنظيمات وتشريعات من قبل مجلس الشورى والديوان الملكي ومجلس الخبراء والخدمة المدنية والجهات الحقوقية الأهلية والحكومية لقد ألقى التقرير بشكل كبير باللائمة على سلوكيات وتصرّفات بعض موظفي ومسؤولي بعض الوزارات والجهات الحكومية فيما يتعلق بالإخفاق في احترام حقوق المواطن عند تعامله مع تلك الجهات الحكومية. وأعتقد ان التقرير والقائمين عليه قد أصابوا كبد الحقيقة كثيرًا في هذه النقطة؛ لأنه على ما أعتقد انه بغض النظر عن وجود القوانين والتشريعات والأدلة الاسترشادية واللوائح التنفيذية من عدمها، فان حجر الزاوية في تحسين أداء الأجهزة الحكومية يتمحور حول مَن يعهد له/ لها تطبيق تلك القوانين بحس انساني وطني مهني بعيد عن مثالب وعيوب القبلية والمناطقية والعنصرية والفئوية والمحسوبية وكافة اوجه الفساد المالي والإداري. نعم لقد أصاب التقرير كبد الحقيقة بدعوته إسناد قيادة الأجهزة والإدارات الحكومية للمواطن والمواطنة الأكفأ مهنيًا وسلوكيًا لا تسلقيًا وحسب القرب من دوائر القرار والحل العقد. لقد أشار التقرير بطريقةٍ مباشرة إلى الفجوة الموجودة ما بين الرغبة أو طموح القيادة، متمثلة في مشروع الملك عبدالله الإصلاحي، وأداء بعض الأجهزة الحكومية المخلة باحترام حقوق الإنسان والمتقاعسة عن أداء خدماتها الأساسية للمواطن بالرغم من المبالغ المالية الكبيرة المرصودة لها سنويًا في ميزانية الدولة. ووالمهارات الإدارية والقيادية التي يجب توافرها للمسؤولين الحكوميين الذين يتولون قيادة الأجهزة الحكومية المرتبطة ارتباطًا مباشرًا بحياة المواطن ورفاهيته. ويمكن أن تشمل تلك الوظائف على سبيل المثال لا الحصر وكلاء الوزارات، ومديري فروع الوزارات في المناطق والمحافظات وأمناء البلديات وعمداء الجامعات ومديري المطارات والسفراء والرؤساء التنفيذيين للشركات والمؤسسات الحكومية الاستثمارية التي تمتلك الحكومة فيها أسهمًا تأسيسية أو استثمارية. التعيين يتم على أساس الكفاءة والنزاهة والاستقامة بطريقة ممنهجة لا بأسلوب الشخصنة والحظوة والقرب من دوائر القرار.