رأيتها متكئة على مقعدها في أحد المجالس تتحدث بحماسة بالغة عن فلانة التي شاهدتها مؤخرا في معرض الكتاب توقع أحد كتبها الجديدة، أسبغت على سلوك تلك الفلانة وفكرها وخلقها من الصفات المشينة ما شاء لها الذوق والعقل والفكر الذي تتأبطه، ثم عرجت بعد ذلك على الحديث عن الكتاب الذي شهدت لحظة توقيعه فأمطرته بسيل نقدها (النزيه والموضوعي)، سواء من حيث محتواه (الضار) و(المسيء) أو من حيث أسلوبه ولغته ومنهجيته إلخ. وبعد أن أفرغت كل ما في جعبتها، التفتت إلي تسألني عن رأيي في الكتاب فأجبتها أني لم أقرأه؟ فردت علي منكرة: «لست في حاجة لأن تقرئيه، أما سمعت ما قيل عنه؟! أنا لم أقرأه لكني عرفت من الذين قرأوه محتواه وما فيه من خبث وسوء»!! صاحبتنا هذه ليست وحيدة في تصرفها هذا، فلها أشباه كثر يرون أن مجرد تداول الآخرين لرأي حول كاتب أو كتاب كاف لأن يشاركوا هم أيضا في إبداء الرأي حوله بناء على ما سمعوا عنه وما قيل فيه!. ليست مرة أو اثنتين التي أسمع فيها ناقدا لكتاب يحذر منه ويلوم على فسح تداوله في الأسواق رغم ما هو عليه من خطر إفساد المجتمع ونشر السموم وتضليل الفكر، ثم يردف ذلك بقوله (فخورا معتزا) إنه لم يقرأ الكتاب بل إنه يبرأ إلى الله من قراءة مثله وأنه لن يدنس يده بلمس صفحاته أو يؤذي بصره بمتابعة حروفه، وأنه لمصلحة الأمة وإبراء الذمة يحذر من قراءة هذا الكتاب وأشكاله!! أن ينتقد أحد الناس كتابا لم يقرأه ولكنه سمع صديقه ينتقده نقلا عن زميله الذي يروي ما قاله شيخ شيخه عن الكتاب، هو في عرف البعض ليس عيبا ولا نقصا ولا إثما مبينا، فشيخ الشيخ لا يخطئ والناقلون عنه جميعهم في مرتبة عالية من الثقة. كما أنه حسب مفهومه لا يدخل في التبجح غير الأخلاقي أن ينتقد امرؤ ما كتابا يقول إنه لم يقرأه ولم يطلع بنفسه على ما فيه، ولا يعد إسقاطا للأمانة العلمية أن يبيح المرء لنفسه نقد ما لم يطلع عليه وما لم يتأكد منه بنفسه!! يراودني مقترح نظام تأديبي يطبق على أمثال هؤلاء الوقحين من النقاد الذين يتطاولون على نقد كتب لم يقرأوها، ولكني لا أدري لمن أوجهه، هل أوجهه لوزارة الثقافة باعتبار أنها مسؤولة عن الكتاب والأدباء وأرباب الفكر والفن، أم أوجهه لوزارة العدل على اعتبار أنها مسؤولة عن حفظ الحقوق وردع المعتدين؟ أما المقترح فهو أن يعاقب كل من يجرؤ على نقد كتاب لم يقرأه بإرغامه على شراء عدة نسخ من الكتاب يقرؤها جميعها، كلما أنهى نسخة لزمه قراءة النسخة الأخرى.