د. عبد اللطيف القرني - الاقتصادية السعودية تعتبر العقود دليل الإرادة بين رغبة طرفين أو أكثر الاتفاق على شيء معين، وفي القرآن جاءت الإشارة إلى تعزيز معنى حفظ الحقوق من خلال الكتابة، ويدخل في ذلك المعاني المتضمنة في الكتابة قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ... إلخ). وجاء الأوامر في القرآن الكريم بإيفاء العقود قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) ""المائدة""، ومن العوامل التي تساعد على حفظ العقود الاهتمام بها من حيث صياغة المعاني الأصلية فيها وتفصيل الالتزامات ومعرفة التراكيب والألفاظ ذات الدلالة ومن خلال تخصصي في الدراسات الشرعية والقانونية وجدت أن أكثر الاختلافات الناشئة في العقود تكمن في ملاحظات سأذكر أهمها فقط لأن المقام لا يتحمل البسط وهي على النحو الآتي: الملاحظة الأولى: أن الذي يقوم بكتابة العقد وصياغته غالبا لا يكون متخصصا في المعاني المتضمنة للعقد المراد كتابته وغالبا تكون العقود النمطية هي السائدة ويتم التعديل عليها، وغالب هذه العقود ليست دقيقة وتتضمن أخطاء موضوعية وشكلية وفيها تكرار في جوانب ونقص في جوانب أخرى ثم إن أغلبها صيغت من قبل أشخاص لم يدرسوا الدراسة الشرعية والقانونية المقارنة وأغلبهم من خارج المملكة ويكتبون هذه العقود وفق دراسات تخصصية لقوانين لا تتلاءم مع ظروف البلد وأنظمته, وهذا ما يجعلها لا توفر الحماية القضائية عند الاختلاف وللأسف الشديد، ومن أمثلة ذلك أن يتولى صياغة العقد الإداري أو الموافقة عليه شخص لم يدرس أحكام القانون الإداري عموما وأحكام العقود الإدارية على وجه الخصوص، ولذا لا يعرف ولا يتصور العقبات التي ترد على هذا العقود وكيفية معالجتها في العقد ابتداء ومن الأمثلة أيضا كتابة عقود التمويل الإيجاري مثل عقد الإيجار مع خيار التملك فتجد بعض العقود صاغت هذا العقد، وفي ثنايا العقد تجد المعاني متجهة لبيع التقسيط وبينهما فرق في الآثار والتبعات ويحصل أيضا عكس ذلك، كل هذا بسبب عدم إحاطة كاتب العقد بالمعاني الأساسية الشاملة للعقد الذي يراد كتابته، وليس معنى ذلك أنه يشترط الإلمام التفصيلي فقد يكون هذا متعذرا على كل جهة، ولكن يجب إدراك المعاني الأساسية لمعاني العقد المراد صياغته. الملاحظة الثانية: قد يتوافر الشخص الملم بمعاني العقد الأساسية إلا أن الصياغة في حد ذاتها فن ومهارة فكتابة الشكل التنظيمي للعقد وذكر الألفاظ التي تؤيد المعاني أو تحجمها ليس بالأمر السهل لأن العقد يتضمن معاني ظاهرة وعند الاختلاف تظهر إشكالات تعرف بالمعاني الباطنة فكيف يكون التفسير عند ذلك على أساس المعنى الظاهر المجمل أم المعاني غير الظاهرة المبينة؟ وقد تكون دلالات المعاني الباطنة كثيرة تغلب المعنى الإجمالي الظاهر فأيهما يقدم وهل يتدخل العرف كمؤثر خارجي للتفسير أم تظهر الإرادة الباطنة من العقد والتي تخالف الإرادة الظاهرة كما في العقود الصورية؟ كل هذه الإشكالات تدل على أن الصياغة العقدية ليست بالأمر السهل، ويجب أن يكون كاتب العقد ذا معرفة باللغة وألفاظها سواء اللغة العربية أو الإنجليزية أو غيرهما، وفي العقود الأجنبية يفضل العقد باللغة الفرنسية لدقة دلالة ألفاظها بخلاف اللغة الإنجليزية التي تحتمل معاني مختلفة بحسب السياق. الملاحظة الثالثة: الشيء اللافت النظر تقادم كثير من هذه العقود وعدم تجديدها مع أن الاجتهاد القضائي والقانوني قد يكون تغير ومع ذلك ترى هذه العقود صيغت لزمن وفق اجتهادات معينة ثم تغيرت، ومعلوم أن الاجتهاد القضائي يتجدد، فالعلامات التجارية ذات صور الأرواح كانت غير مقبولة قضاء نظرا لفتوى تحريم التصوير، والآن تغير الوضع وأصبحت مقبولة قضاءً كذلك ما يتعلق ببعض مسائل المعاملات البنكية والتأمين. الملاحظة الرابعة: يغلب على الذين يكتبون العقود الجانب النظري دون الجانب التطبيقي، وبالتالي يغيب عن إدراكهم أثناء صياغة العقد الاحتمالات المستقبلية، فمثلا مع انتشار الكوارث الطبيعية لا تجد أي ذكر في عقود التغطية التأمينية ما يتعلق بكارثة السيول ومقدار التعويض فيها مع اشتراط كثير من هذه العقود وجود طرف ثالث في الحادث معلوم البيانات، وتجد شركات التأمين تذكر الكوارث الطبيعية في البداية ثم تخصصها ببعض الكوارث نادرة الحدوث. الملاحظة الخامسة: إن كان العقد من نسختين مصورتين فيجب أن تقرأ النسخة الأخرى قراءة متأنية وشاملة وكاملة للتأكد من مطابقة جميع النسخ قبل التوقيع عليها، فإن كانت النسخة الأخرى طبعت بورقة كربون تأكد من وضوح الخط والتواقيع. إن الاهتمام بكتابة العقد يوفر جانب حماية للطرفين ويقطع دابر الاحتيال والإخلال في التنفيذ. أسأل الله حسن التدبير لي ولكم وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا وأن يعوضنا خيرا.