محسن، قارئ ساخر اعتدت أن أتلقى منه ملاحظات ساخرة على بعض الأشياء التي تلفت نظره، سواء فيما أكتب أو ما يكتبه غيري. لكن ملاحظات محسن الساخرة تلك هي وإن كان ظاهرها تهكميا، إلا أنها غالبا تحمل في باطنها معاني بعيدة تستحق التأمل. ويوم أمس تلقيت منه واحدة من تلك الملاحظات الساخرة، فهو محتج على استعمالي كلمة (مبرز) عند وصفي لبعض نجوم الكرة حسب ما جاء في مقال نشر في هذا المكان يوم السبت الماضي عن انحصار (نجومنا) في المحلية وعدم القدرة على تجاوز ذلك. وسبب احتجاج محسن هو أن كلمة (مبرز) غير معروفة للقراء وهي ترتبط في أذهانهم بمعان أخرى غير ما هو مراد بها في المقال ولذلك فهو يرى أنه كان بإمكاني استخدام كلمة (بارز) بدلا منها. وغني عن القول إن محسنا يقول هذا الكلام لأنه لم يستشعر فرقا بين معنى (بارز) و(مبرز) فبدا له أن استخدام اللفظين سيان. لكن الحقيقة أن هناك اختلافا في المعنى وقد جاء في لسان العرب: «برز الرجل، إذا ظهر بعد خمول» والبروز يعني الظهور، وهو مأخوذ من «البراز» وهي الأرض الفضاء الواسعة، وفي القرآن الكريم (وترى الأرض بارزة) أي ظاهرة بلا جبل ولا تل. أما (المبرز) (بكسر الراء وتشديدها)، فإنها تعني المتفوق على منافسيه، وحسب ما يقوله صاحب اللسان: «برز الرجل، فاق على أصحابه» و «برز الفرس على الخيل: سبقها، وقيل كل سابق مبرز». على أية حال، أجد هذه الملاحظة من محسن تثير عندي التفكير في قضية أراها مهمة، تتعلق بدور الكاتب تجاه اللغة التي يكتب بها، هل عليه أن يهبط بلغته إلى مستوى العامة، أم يرتقي بها لترتقي العامة معه؟ هل عليه أن يكتب باللغة الشائعة فيردد ما فيها من ألفاظ وما هو منتشر بين الناس من تعبيرات حتى وإن بدت له غير صحيحة وغير مؤدية للمعنى الذي يريده؟ أم أن دوره أن يقدم الصحيح ويلتزم بالصواب مجتهدا في الارتقاء باللغة لا الهبوط بها؟ هذه المشكلة لا تواجه مؤلفي الكتب أو معدي الدراسات المتخصصة لأنهم يعرفون نوع الفئة التي يخاطبونها فيصوغون لغتم بما يلائمها، أما كتاب الصحف فإنهم يغرقون فيها لتنوع مستويات قرائهم الذين تكاد تراهم على منحنى بياني يتفاوتون، حيث يرتقي الخط على القمة عند مرتبة المفكرين والمثقفين ثم تراه يهبط متدرجا إلى أن يبلغ السفح عند مرتبة السذج والبسطاء ومحدودي التعليم، فماذا على الكاتب أن يفعل؟ هل يرضي أهل القمة أم أهل السفح أم ما بينهما؟. إني برغم إيماني، أن الكاتب الذي يخاطب العامة، لا بد له أن يخاطبهم باللغة التي يفهمونها، إلا أن هذا لا يعني عندي مجاراتهم في أخطائهم اللغوية وعدم الاجتهاد في انتقاء اللغة الصحيحة والارتقاء باللغة قليلا فوق ما اعتادوا، فالكاتب يظل منارا لتعليم من لا يعرف، وإذا حصر نفسه في لغة العامة، حرم أهلها من تطوير لغتهم والتوسع في معلوماتهم. وما أراه هو أن الكتابة الصحافية لا ينبغي حصرها في لغة العامة، وأن عليها الرقي باللغة بالقدر الممكن، بعيدا عن التقعر أو التكلف المنفر للعامة. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة