ما يحدث في الشارع العربي إن في مغربه، أو مشرقه، هو حراك جاء نتيجة حتمية للقهر، والظلم، والاستبداد، والجوع، والتخلف، ومصادرة الرأي، الذي لوَن حياة هذه الشعوب، وطبعها بالسواد، والمأساة، والوجع، وهو في أبعاد قراءاته، وتحليله، حالة تَرسّخ قناعة عند الإنسان بفقدان الأمل في حياة سوية، متوازنة شاملة وقوية، ومتماهية مع طموحاته، وآماله، وأحلامه التي يعيشها من أجل مستقبلات أفضل، وواقع يَعبُر من خلاله إلى فضاءات التغيير، والتحول، والانعتاق من مثلث البطالة، والفقر، والتخلف، ويحقق لتاريخه، ونضالاته، وقيمته نصراً يؤهله لدخول التاريخ المعاصر، بعد أن فشلت الأنظمة في هذا الشارع البائس أن تضيف مكاسب له، أو على الأقل تترك له الحريات، وتوفر المناخات المساعدة على الخلق، والإنتاج، والإبداع في كافة المضامين الحياتية، والتنموية، وتبارك كل عمل تنويري، وتحديثي، واستشرافي تقوم به العقول الوطنية، والكفاءات المختزنة على امتداد الفضاء الديموغرافي، بدلاً من أن تكون عقولاً مقموعة، ومهمشة، ومهملة. نزعم أن ما حدث هو حراك الشارع الذي لم تستوعب أنظمته الغارقة في فسادها، وبناء أنظمتها البوليسية للقمع، والتدمير، وإشاعة الرعب، والخوف، لم تستوعب أن المعرفة بكل أدواتها أصبحت في متناول الإنسان، وأن ثورة التقنية، والاتصالات، وتوفر المعلومة، والانخراط في العولمة، لا تحتاج إلى إذن من دوائر المخابرات، وأصنام العسكر، وأن الإنسان في هذه الأنظمة كوّن معارفه ذاتياً، ودخل بعقله، وأدواته في حركة هذا الكون الواسع مشاركاً، وفاعلاً، ومستوعباً للمنتج الحديث في التواصل، والاطلاع على كل مايجرى في العالم من تحولات، ومتغيرات، ومستجدات. إلى أين من هنا..؟ الحركات في بعض الشارع العربي الذي سكنه اليأس من صلاح أنظمته، أو على الأقل صحوتها من ممارساتها، وعبثها، وقهرها للناس، أراد البعض أن يختطف منها هذا الجهد، والعمل، كونها مُشرئبّة، توّاقة، ظامئة إلى التغيير، وفعل الحداثة، وأراد هذا البعض أن يحولها انتصاراً لمساره السياسي، أو أيدولوجيته الفكرية والدينية، مكرساً من حيث لا يدري، أو يستوعب القول المشهور "الثورات يطلقها مغامر، ويقودها شجاع، ويقطف ثمارها جبان". الإسلام السياسي الذي يتعطّش للسلطة، ويستخدم كل الوسائل في استجدائها، ويعد الناس بالمن والسلوى، والعيش الرغد، والإصلاح الشامل "ادعاءً!!"، ومنتجه الإرهاب، والفوضى، والتفجيرات، والدم، واستباحة الجغراسيا، والتاريخ، وأنماط الحياة الحديثة، يرغب، أو يقاتل من أجل قطف ثمار هذه الحركات في الشارع العربي، ويريد عبرها أن يصل إلى الحكم، لتتشكل أنظمة طالبانية، أو غزّاوية أخرى، وفي إيران حاول أحمدي نجاد اختطاف ومصادرة هذه الحركات لصالح أيديولوجيته، وقال إن ثورة رجال الدين في إيران عام 1979، هي التي ألهمت الشارع العربي -الآن-، وأن المهدي المنتظر هو من يقود بيده هذه الثورات "!!". إنه عالم عجيب، تسكنه الخرافة.