بعض الذين لا يعرفون الوسطية في الدين، ويجنحون للغلو في أقوالهم وأفعالهم، يمتطون صهوة الشماتة ويجوبون بها الأرجاء ناشرين ألويتهم السوداء ضد من تصيبهم بعض المصائب، أو يفارقون الحياة من الفنانين أو العاملين في مجال الفن بمختلف ألوانه وأشكاله، فلا يلبث هؤلاء السوداويون أن يشمتوا بما حل بغيرهم من المصائب، وهي شماتة ممقوتة، وتتمثل هذه الشماتة فيما يطلقونه على هذا الفنان المصاب بأن مصابه ليس سوى انتقام إلهي، وكأنهم يعلمون الغيب، مع علمهم بأن مثل هذا الانتقام لا يكون إلا للمفسدين في الأرض، ومن خطل الرأي الاعتقاد أن أي فنان هو غير مستقيم الخلق لمجرد أنه فنان، وفي سبيل تبرير شماتتهم لا يتورعون عن نبش تاريخه القديم، وتضخيم ما قد يكون في هذا التاريخ من هفوات، تتحول لديهم إلى ذنوب عظيمة لا تغتفر، مع أن الله وحده هو الكفيل بخلقه، يعفو عمن يشاء ويعاقب من يشاء، وقد وسعت رحمته كل شيء وهو شديد العقاب، لكنهم يأبون إلا التدخل بين العبد وربه. يموت فنان أو فنانة فتنبري أقلامهم للشماتة بهم، وذكر مساوئهم، رغم ما ورد في الأثر من قول: (اذكروا حسنات موتاكم) وينسون ما يمكن أن يكونوا قد قدموه من أعمال خيرية جليلة، فليس كل فنان فاسق ومستهتر ومتجاهل لدينه ووطنه ومجتمعه، وإذا كان الفن الملتزم البعيد عن السفه والانحلال.. هو ما تيسر للإنسان من مصادر الرزق، فكيف يعامل كما يعامل العابثون بالقيم والمثل والأعراف والتقاليد؟. هؤلاء هم داة التنفير والتشويه والإساءة لأبرياء، لم تتيسر لهم سبل الحياة إلا عن طريق الفن الجميل. وبدلا من الدعوة لذلك الفنان أو الفنانة بالرحمة والغفران، تنطلق منهم عبارات التشفي والشماتة والفرح بألسنة حداد، وأقلام بحبر مسموم، متناسين أن الله رحيم بخلقه، وأنه يصيب عباده بنوازل الدنيا ليخفف من ذنوبهم، وما هم بمنجاة عن هذه النوازل، وما هم بمنجاة من الموت حتى ولو كانوا في بروج مشيدة، وكيف تكون الشماتة في الموت؟ ما لم يكن صاحبها ناقص دين لأنه لم يؤمن أن لكل أجل كتابا، وأن ما يصيب الناس لم يكن ليصيبهم لو لم يقدره الله عليهم.. وفي مسألة القضاء والقدر لا مجال للشماتة، بل لا مفر من الإيمان المطلق بالقضاء والقدر. بدلا من الدعوة لذلك الفنان أو الفنانة بالرحمة والغفران، تنطلق منهم عبارات التشفي والشماتة والفرح بألسنة حداد، وأقلام بحبر مسموم، متناسين أن الله رحيم بخلقه، وأنه يصيب عباده بنوازل الدنيا ليخفف من ذنوبهم، وما هم بمنجاة عن هذه النوازل، وما هم بمنجاة من الموت حتى ولو كانوا في بروج مشيدة، وكيف تكون الشماتة في الموت؟ ما لم يكن صاحبها ناقص دين لأنه لم يؤمن أن لكل أجل كتاباكيف يجوز للمسلم أن يشمت في وفاة أخيه المسلم، دون أن يعرف عنه سوى أنه فنان، أفنى عمره ووهب فنه من أجل أن يحيا حياة حرة كريمة، وما بينه وبين خالقه أمر لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، ومن باب الحكم بالمظاهر وتسطيح الأمور أن نحكم على كل فنان بالفساد، لأن الفنان كغيره من البشر يمكن أن يخطئ ويصيب، والخطأ ليس مقتصرا على الفنانين وحدهم، وعندما نقول الفنانين، فنحن نعني من يقدمون فنا راقيا وأصيلا ومعبرا عن هموم الناس وقضاياهم.. من يحملون رسالة تنويرية للمجتمع تنقذه من جهل أفراده وتخلفهم، وخضوعهم المطلق لقيود الماضي، وللمعتقدات التي ما أنزل الله بها من سلطان. إن الغلو في الدين يذهب بأصحابه بعيدا عن الواقع، وهو واقع لن يجدي الصدام معه، بل لا بد من معايشته وتخليصه من شوائبه بالحكمة والموعظة الحسنة، فلن يجدي تقديم سوء الظن دون دليل واضح، والحكم على الناس دون حجة جلية، وما يقال من سوء عن أي مسلم هو إدانة لقائله قبل أن يكون إدانة لمن يوجه له، فالله وحده هو العالم بالسرائر والأسرار، وقد يظن بعض الناس الخير بشخص وهو الأكثر من غيره فسادا، وقد يظنون الشر بشخص وهو الأكثر من غيره صلاحا واستقامة. الذين يعتقدون أنهم أوصياء الله على خلقه، يعرفون أن هذه الوصاية وبهذه الصورة القسرية وصاية في غير محلها، فكل مسلم مكلف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن بالتي هي أحسن، وبذلك تظل الأمة خير امة أخرجت للناس، ويوم تحتكر هذه المهمة فئة من الناس دون غيرها وتمنح صكوك الغفران لمن تشاء، وتدين من تشاء، وترضى عمن تشاء وفق مقاييس الغلو والتطرف.. تنتفي هذه الخيرية، وتصبح الأمة ومقدراتها نهبا للأجنبي، وسهلة لكل من يريد بها شرا، ولكل من يسعى لسلب قوتها حتى تظل في مؤخرة الركب بين أمم الأرض. على الشامتين أن يتذكروا رحمة الله بخلقه، لعلهم يرعون ذمم الناس، ويحفظون لهم كرامتهم، ويصونون إنسانيتهم عن المعايب والشوائب وسوء الظن.