كان هناك الكثير في معرض الكتاب في أبوظبي الذي حضرته هذا العام يستحق الحديث عنه بعيدا عن المبنى المبهر والتنظيم في كل شيء، فأنت ومنذ الوهلة الأولى ستكتشف أن هذا المعرض للكتاب للثقافة، وليس لصراع تيارات أو فرض وفرد عضلات وأفكار محددة. فالجميع مشغول بحمل الكتب وتصفحها وقراءتها قبل شرائها دون أن يفرض عليك أحد ما الذي عليك أن تقرأه وما الذي عليك أن تشتريه وما الكتب التي يجب مقاطعتها؟ إن هبطت للمعرض في الصباح سيدهشك الكم الهائل من طلاب وطالبات المدارس السنوات الأولية، فهم الغالبية بردائهم المدرسي المتشابه، وهم القوة الشرائية في الصباح، مما يثير دهشتك. إن استوقفت طالبا أو طالبة صغيرة لتسألها عن تلك «الكوبونات» التي تقدمها لبائعي الكتب مقابل شراء الكتب، ستخبرك تلك الطفلة بلكنتها الجميلة: «المدرسة تعطينا الكوبونات عشان نشتري الكتب اللي نحبها». ستظن في بداية الأمر أن المدرسة اتفقت مع أولياء الأمور، وأن أولياء الأمور يدفعون الأموال للمدرسة التي تشتري هذه «الكوبونات»، بيد أنك إن سألت معلمة/ معلما يرافق الطلاب، سيخبرك بحقيقة «الكوبونات»، وأنها تصرف من قبل هيئة ثقافة أبوظبي، لأن أحد مهام هيئة الثقافة نشر الثقافة، ولنشرها لا بد أن تساعد الطلاب على شراء الكتب، وليس حب الكتب فقط، فهي أي هيئة الثقافة إن جعلت الطلاب يحبون الكتب، لكن الطالب لا يستطيع شراء كتابا، فما قيمة هذا الحب؟ ما إن يتركك المعلم إلا وتسأل نفسك: «ما الذي يعيق وزارة الثقافة لدينا لأن تفعل هذا»؟ ولأنك لا تملك الإجابة تنشغل من جديد في قراءة واقع معرض الكتاب في أبوظبي، يدهشك أن لا أحد ينشغل بأحد ليصلحه أو ليقول له «اتقِ الله»، ربما الجميع في المعرض مشغول بإصلاح نفسه وكيف يتقي هو الله؟ في المعرض لفت انتباهي مراهق كان يتصفح كتاب «فوزية الدريع»، كدت ومن خلال ثقافتي أن أذهب لأقول له: «اتقِ الله»، بيد أني تراجعت خوفا من أن يرد لي بضاعتي إذ يقول: إن الله لا يحب التجسس، فاتقِ الله أنت .