أثارت حصيلة معرض الرياض الدولي للكتاب التي قدرت ب35 مليون ريال، أنفقها نحو ثلاثة ملايين شخص، استفهامات كثيرة لدى عدد من المثقفين، فهي تشير إلى قوة شرائية غير محدودة، ومن أفراد فقط، وليس مؤسسات، فماذا تعنيه هذه الأرقام؟ بالطبع هناك من يرى أن المجتمع السعودي يقبل على القراءة، ويسافر إلى معارض الكتب الشهيرة لاقتناء الكتب، لكن يوجد من يعتبر الإقبال على القراءة ليس سوى جانب من الحياة الاستهلاكية، التي يعيش في إطارها السعوديون. من جهة أخرى إذا كان هناك قراء كثر واهتمام بالثقافة والإطلاع على معارف شتى، فمتى نرى ثماراً حقيقية لهذه المقروئية الكبيرة، إذا صح القول، ثماراً تعبر عن نفسها في الانفتاح وتزايد الوعي بأهمية الآخر وضرورة الحوار معه من دون مصادرة أو إقصاء، ثماراً تنعكس في عدد الكتب وفي حجم الإنتاج الأدبي والفكري والثقافي؟ من دون أن ننسى السؤال: هل تجدي القراءة وحدها من دون مناخ يستوعب التعددية ويشجع عليها؟ سليمان الضحيان: ثمار قليلة في إنتاج الوعي الفكري هذا أمر مبهج إذ يحمل دلالة مهمة على وعي ثقافي يعيشه المجتمع السعودي، ففي الستينات والسبعينات كان يقال إن الكتاب يؤلف في مصر ويطبع في بيروت ويقرأ في العراق، واليوم تتفق الإحصائيات على أن معرض الكتاب في الرياض هو أكثر المعارض العربية مبيعاً، وإذا كنا نعزو جانباً من ذلك للقدرة الشرائية للفرد السعودي إلا أن القدرة وحدها لا يمكن أن تدفع الإنسان للشراء إن لم يكن لديه إحساس بأهمية ما يشتري، ولهذا فأنا متفائل بمستقبل مبهج للثقافة والفكر في مجتمعنا المحلي، وعلى فرض صحة هذا الرأي، فإن مجرد الإقبال على القراءة هو جانب إيجابي بغض النظر هل هو طلب للمعرفة أو هو مظهر من مظاهر الاستهلاك، فإذا كنا نتفق على أن الإقبال على استهلاك الطعام يقوي الجسم ويمده بما يحتاجه من فيتامينات وغيرها، فإن الإقبال على القراءة سيكون له تأثير مهم جداً على العقل وسيسهم في خلق وعي جديد وخلق مجتمع جديد، لا يستطيع أحد أن ينكر أن ثمة ثماراً لمثل هذه المقروئية، قد نختلف في حجم هذه الثمار، ونوعيتها، ومدى انتشارها، لكنها موجودة، وعندي أنها مازالت قليلة في جانب الوعي الفكري بحقوق الآخر والانفتاح عليه؛ وذلك لأن هذا الوعي يتخلق غالباً لدى النخبة نتيجة للقراءة والاطلاع ولا يتحول إلى ثقافة اجتماعية عامة إلا بعد توفر عاملين، الأول: النخبة المبشرة بهذا الوعي تأليفاً وتحدثاً، والثاني: الممارسة العملية على أرض الواقع لنقل الوعي والثقافة إلى ممارسة فعلية. القراءة تسهم في خلق الوعي بأهمية التسامح، والوعي هو اللبنة الأولى في مسيرة تفهم الآخر والانفتاح عليه، ومن دون وعي يستحيل أن يتقبل الجمهور الدعوة للتسامح، إذ في ظل انعدام الوعي يكون الجمهور ضحية للمقولات المشوهة للآخر، وهذا يدفعه للتحصن الذاتي ضد الآخر حماية لهويته المستهدفة من ذلك الآخر. إذن القراءة هي المدماك الأول لبناء ثقافة قابلة للآخر ينتج عنها واقع تعددي متسامح. سحمي الهاجري: عدوى الاستهلاك يدل الرقم على أن هناك تحولات كبيرة في اتجاهات الناس، نحو القراءة، ورغبة واضحة في الاستزادة من المعرفة والثقافة والوعي، ورقم المبيعات الكبير يجعل معرض الرياض من أهم معارض الكتب العربية في الوقت الحاضر، خصوصاً في ظل إلغاء معرض الكتاب في القاهرة هذا العام، بسبب الأحداث التي جرت في مصر، وما الذي يمنع أن تنتقل عدوى الصفة الاستهلاكية للمواطن السعودي إلى مجال الكتب، بالعكس هذا أمر جيد إذا جرى استثمار ظاهرة أو صفة من صفات المجتمع بطريقة صحيحة وفي التوجه المناسب، وربما مع تزايد الوعي يكون هناك ترشيد للاستهلاك وتوجيهه نحو الأمور الأكثر نفعا، ثم لا بدَّ أن يكون لهذا الإقبال فوائد ملموسة في المستقبل، لأن القاعدة الشهيرة هو أنه كل ما كان هناك تطور كمي، فلا بد أن يؤدي إلى تطور نوعي، كما أن القراءة وزيادة الوعي هي التي ستعمل على تعظيم قيم التعددية وقبول الآخر وتقزيم قيم الكراهية والانغلاق والجمود. صالح زيّاد: بلا وعي تستحيل القراءة إلى فعل غير منتج إن ما تعنيه هذه الأرقام لي، وبشكل مؤكدّ، هو ارتفاع القدرة الشرائية لدى المواطنين والمقيمين في المملكة، ونعم قد تبدو دليلاً على الوعي المعرفي والثقافي، وقد نلمس فيها حساً حضارياً متقدماً، وقد نتفاءل بأنها مؤشر على الانخراط في سلوكيات أكثر جدية وطموحاً واستنارة وجوهرية، لكن الخلوص إلى هذه المعاني بشكل واضح، ما يزال في حاجة إلى مؤشرات وإحصائيات دقيقة ومتنوعة، فما الكتب الأكثر رواجاً؟ وما توجهات القراءة لها؟ وهل شراء الكتب لدينا مرتبط بإنجاز أبحاث وتقديم مشاريع أكاديمية والحصول على شهادات عالية، أم هو لأغراض أخرى من بينها القراءة الحرة؟ كيف نقرأ؟ ولماذا؟ أعتقد أن معرض الرياض الدولي للكتاب مناسبة سعودية مبهجة للكثيرين بالمعاني المعرفية العلمية والثقافية، ومبهجة للبعض فقط من زاوية التسوق بمعانيه التي لا يختلف فيها معرض الكتاب عن أسواق المواد الاستهلاكية. المجتمع السعودي هنا مجاز للجزء، فهناك كما في كل مجتمع من يهتم بالمعرفة والثقافة ويسافر لاقتناء الكتب، ويتعب في الحصول عليها بأكثر من معنى، ويمتلك مؤهلات هذا التعب ومبرراته الإيجابية. أما أن تتحول القراءة إلى ممارسة استهلاكية، فهذا ممكن في ضوء شروط اجتماعية وثقافية معينة، لا تغدو فيها المعرفة قيمة ينتجها الإنسان بقدر ما يلقنها، وفي هذا الصدد يمكن أن نحسب نوعية من القراءة، قراءة استهلاكية لأنها لا تولد معرفة جديدة ولا تبني وعياً ولا تتحاور مع أفكار مختلفة عما استقرت عليه القناعات. شتيوي الغيثي: مجرد اقتناء لا يعضده قراءة توازيه ظاهرة معرض الكتاب في الرياض، كانت سؤال الكثير من المثقفين السعوديين والعرب، فإذا كانت هذه الكميات من الكتب تُشترى حتى أصبح الناشر العربي يعول كثيراً على معرض الرياض لكمية الشراء، فهل المجتمع السعودي وصل في ثقافته إلى حد كبير حيث يستطيع قراءة كل هذه الكتب التي اشتراها؟ شخصيا أشك في هذه المسألة، البعض من المثقفين صرحوا لي بأن كتب العام الماضي لم يقرأوا نصفها وربما ربعها، وهذا يدل على أن القضية مجرد اقتناء لا يعضده قراءة توازيه. المسألة في رأيي راجعة إلى ثلاثة أسباب في فهم اقتناء هذه الكميات الكبيرة من الكتب. الأول: ذهنية الاستهلاك التي يتصف فيها هذا المجتمع، والثاني عدم توافر هذه الكتب بسبب هيمنة ثقافة المنع على الكتاب حتى بعد اتساع هامش الحرية، والثالث: أن معرض الكتاب صار حدثاً ثقافياً أقرب إلى المهرجان في ظل ثقافة بدأت تهتم في توليد الكثير من المهرجانات بمناسبة وغير مناسبة. هنا يصبح حضور معرض الكتاب ليس لذات الكتاب بقدر كونه الحدث الثقافي ولاجتماعي والمادي أيضاً. نوعية القراءة هي ما يمكن أن يحدد نوعية الثمار.. الكتب التي تشترى بكميات كبيرة هي تلك التي تحمل إثارة في عناوينها أو تلك الروايات التي تضرب في ثلاثية الممنوع (الجنس والدين والسياسة) أو الاعتماد على شهرة الكاتب، وكل هذه تعتبر نوعية قراءات عادية، أي غير منتجة، إذ تحتاج القراءة إلى وعي عام بحيث يصبح المقروء ذا قيمة فكرية أو فنية عالية. هناك تنظيرات عميقة نجدها في الكتب، لكنها تبقى تنظيرات ليس لها على أرض الواقع شيء، هنا نحن بحاجة إلى تحويل المقروء إلى مفعول، أي تحويله من ذهنية قارئة إلى ذهنية فاعلة . سهام القحطاني: الممنوع والمحرم سبب الإقبال 35 مليون ريال دخل معرض الكتاب و3 ملايين مشتري، من 20 مليون ونيفا عدد سكان السعودية، وبحسب تأملي للمشترين في المعرض يمكن تقسيمهم إلى خمسة أقسام، وهم بحسب الأكثر شراء، طلاب الدراسات العليا طلاب الجامعات المثقفون، سواء الليبراليين أو الدينيين ثم العائلات. ومن التقسيم السابق نلاحظ أن الشراء هنا ذو طبيعة تخصصية لا ثقافية أو فكرية، وهو ما يجعل العملية الشرائية للكتاب وظيفية أكثر منها توعوية أو ارتقائية، ووفق غلبة الوظيفة السابقة تنعدم القيمة الحضارية لشراء الكتاب، سواءً كان عدد المشترين 3 ملايين أو أكثر. فليس من الضروري تحقيق ارتباط شرطي بين حصول «الكم» وتوفر«القيمة»، أي شراء الكتاب، وتمثّل الوعي النهضوي، فالأعم الأغلب من السعوديين يتعاملون مع معرض الكتاب مثل تعاملهم مع «البازارات الاجتماعية والتسويقية» السنوية، إضافة إلى نقطة أحسبها مهمة، وهي أن ارتفاع سقف الممنوع والمحرم من الكتب في السوق الثقافية السعودية تجعل المعرض سوقاً موسمياً لعرض الممنوع والمحرم في السوق الثقافية المحلية، ولو كان السوق المحلي للكتاب غير مسقوف بالممنوع والمحرم لقل الإقبال على معرض الكتب و لانخفضت نسبة الشرائية. إضافة إلى أن المعرض جاء في وقت يعيش فيه الشعب السعودي لحظات فرح وتفاؤل بعودة خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله، وبسبب الأوامر الملكية الاقتصادية التي رفعت معنويات الشعب و هما سببان أظنهما ساهما في الإقبال على المعرض. «ثقافة القراءة» أو مكتسبات القراءة التي تربي وعي الفرد على احترام الحريات الفكرية والسلوكية للآخرين، والإيمان بالتعددية الثقافية لا ترتبط بكمية الكتب التي يشتريها المجتمع، وإن كان ذلك هو المقياس لرأينا المجتمع السعودي في الصفوف المتقدمة للشعوب، بل يرتبط بأمور أخرى هي اهتمام المجتمع بالكتاب وتشجيع الأطفال والمراهقين والشباب على القراءة ودعم القيم النهضوية لثقافة القراءة. وكما يعرف الجميع أن المكتبات العامة تكاد تكون مهجورة، وأحياء المدن السعودية خالية من المكتبات السيارة أو الثابتة، وليس لدينا مشروع تنموي للقراءة.