استمعت إلى مداخلة الدكتور محمد السعيدي في الحوار الوطني الذي بثته «قناة الثقافة»، وكانت مداخلته معنونة ب «فتشوا عن معشوقنا الأول»، إذ قال فيها: «السؤال الذي يجب أن نطرحه لماذا برزت الانتماءات القبلية والمناطقية بشكلها الضار بعد أن لم تكن كذلك ؟ الجواب: كل انتماء لغير الدولة الأم يعلمنا التاريخ أنه يبرز كلما بدأ الأمر الذي أحب الناس دولة ما لأجله يقل بهرجه ولمعانه وأخذه بالألباب حين نريد من القبلية أن تعود إلى معناها الذي أوجدها الله ولا تتجاوزه إلى ما عداه، فيجب علينا أن نسأل: ما هو الشيء الذي أحب الناس الدولة لأجله وتناسوا ولاءهم إلى القبيلة من أجله فترة من الزمن ؟ حين نصل إلى جواب هذا السؤال ونركز جهودنا على محاولة العودة بالدولة بجميع مؤسساتها إلى المجال الذي عشقه الناس فيها بادئ الأمر، فإننا عند ذلك سوف نعود بالقبيلة إلى معناها السامي الذي جعلت من أجله وهو كونها رابطة تعارفية تعين على نوائب الدهر ولا يتجاوز الولاء لها هذا الأمر بأي قدر». ثم ختم مداخلته بالمطالبة بتجنيد الباحثين للبحث عن المعشوق الأول للناس. الحق يقال: لست أدري هل الدكتور السعيدي جاهل بواقع المجتمع، أم هو يمارس التدليس لمصلحة ما، لهذا تناول القضية على أنها طارئة أو حديثة ولادة، وأن المجتمع لم يكن متورطا فيها من قبل ؟ إن تجليات القبلية والمناطقية والمذاهبية في المجتمع هي من أنتج ومنذ زمن بعيد «الواسطة» ، فابن القبيلة يبحث في أية وزارة أو مؤسسة حكومية عن ابن قبيلته ليحصل على تسهيلات وينجز عمله، كذلك المناطقي والمذاهبي يفعلان هذا، وكان غالبية المثقفين فيما مضى وإن مارسوا النقد ضد «الواسطة» إلا أن آباءها «القبلية المناطقية المذاهبية» ظلوا بعيدين عن مشرحة النقد أو مسكوت عنهم مع أنهم الآباء الشرعيون «للواسطة» ، لهذا كان المجتمع يئن من «الواسطة» في نفس الوقت يمارسها، كواقع معاش لا فرار منه ما لم يستبعد آباءها لمصلحة الدولة/ الوطن. فهل كانت مداخلة الدكتور السعيدي نابعة من جهل أم تجاهل ؟. وبما أن على المسلم أن يحسن الظن بأخيه المسلم، يخيل إلي أن السعيدي لا يملك الأدوات التي تساعده على قراءة واقع المجتمع، لهذا هو جاهل بهذا الأمر مع أنه يحمل شهادة دكتوراه. أخيرا .. إن معشوق الناس هو العدل، لهذا كان الإسلام يلح في مسألة العدل، فوحده قادر على حماية المجتمع من «الواسطة» ، هذا الابن المشوه للقبلية/ المذاهبية/ المناطقية.