كتب الدكتور محمد السعيدي معقبا على مقال السبت يقول : «سرني كثيرا تفاعلك مع مداخلتي في الحوار الوطني، كما سرني أيضا أن تكون أنت أول من عمل بتوصيتي في هذا الحوار، حيث قمت بالتفتيش عن سبب نمو الشعور القبلي وغلبته على الانتماء الوطني ورأيت أنه غياب العدل» ، وهذا أهم ما كتبه في رسالته التي أرسلها مشكورا إلي. ومن جديد أرى أن الدكتور السعيدي يحاول خلط الأوراق، فمداخلته لم تكن دعوة للبحث بقدر ما هي دعوة للعودة إلى شيء ما كان موجودا في الدولة ثم بدأ يخفت بريقه. أو كما قال في مداخلته : «يعلمنا التاريخ أنه يبرز كلما بدأ الأمر الذي أحب الناس دولة ما لأجله يقل بهرجه ولمعانه وأخذه بالألباب»، ما هو هذا الشيء الذي قل لمعانه عن السابق والذي أخذ بالألباب ؟. بالتأكيد الدكتور لا يتحدث هنا عن العدل، هل هو خفت أم لا، بل لا دخل له بالعدل، فالعدل قيمة ثانوية أو تافهة، كما كتب في مقال له، كان يتحدث فيه عن الأسباب التي دفعت المصريين إلى محاربة الفرنسي الغازي إذ قال : «سبب ذلك فيما يبدو لي أن المصريين لم يعشقوا آنذاك في العثمانيين عدلهم وإنصافهم بل عشقوا اسم الخلافة والانتماء للأمة وراية الجهاد في سبيل الله وفضلوا لأجل هذه الأمور التي عشقوها في دولتهم مصابرة الجور على عدل المحتل الذي رفع لهم شعارات براقة كانت حلما لضعيفهم وجائعهم ومضطهدهم». إذن العدل بالنسبة للدكتور لا قيمة له، بل يمكن لك أن تتقبل الجور والظلم والاضطهاد، ولكن مقابل ماذا ؟ يخبرنا الدكتور في مقاله «الجهاد» ، أي ما خف بريقه عند الدكتور هو أن الدولة كفت يد أولئك الذين كانوا يجيشون الشباب ضد العالم، ويريدون أخذ المجتمع بأكمله في حرب لا نهائية ضد العالم.. وأن هذا التوجه الجديد والانفتاح والتعددية وحرية الرأي ومحاولة لصق المجتمع بكل أطيافه ومذاهبه، هو من خلق «القبلية والمناطقية والمذاهبية»، وأن علينا العودة للمربع الأول «لمعشوق الدكتور» حين كان أولئك الذين يجيشون الشباب يتهمون كل رأي أو مذهب مخالف لهم بالكفر أو العمالة. المحبط في كل هذا أن تكون هذه نظرة الدكتور للعدل، فيرى أنه ليس أساس تماسك المجتمع، مع أن غيابه يجعل الدول قابلة للغزو والاحتلال، كما حدث في العراق حين قمع صدام وحزبه الشعب، لم يصمد العراق أمام الاحتلال القبيح، ووضع الجيش سلاحه، لأن الجندي لا يمكن له أن يضحي بحياته إن كان وطنه لا يحقق له ولأبنائه العدل، أما العبادة فيمكن له أن يقوم بها في أي مكان، لأن الخالق في كل مكان.