جميل ما فعله عضو هيئة حائل حين أعلن عن ندمه وأسفه على تصرفه حيال مواطن، وتهجمه عليه وجرحه وإدخاله المستشفى للعلاج، وهي القضية التي باتت حديث الساعة بين المواطنين.. وربما سببت حرجاً كبيراً للهيئة ورئيسها الرجل الوقور معالي الشيخ عبد العزيز الحميّن، الذي أعرف أنه استاء كثيراً مما حدث. وبغض النظر عن الدورات التدريبية والمحاضرات التي سعى إليها فضيلته مشكوراً، إلا أن عمل الهيئة وجهدها المشكور في العديد من الأحيان، يخونه التوفيق في أحيان أخرى، ويسبب الضرر ولن أقول نقمة البعض وحنقهم من بعض ممارسات قلة من منسوبي الهيئة. وبغض النظر عن واقعة "السكين" التي استخدمها عضو هيئة حائل لفض خلافه مع المواطن الجريح، إلا أن هذا السلوك في حد ذاته يجعلنا أمام مفترق طرق، يجب الانتباه له، والحذر من عواقبه. صحيح أن عضو الهيئة تجاهل شعار الأمر بالمعروف، وتصرف بمنطق "الضرب بالسكين"، وصحيح أن تصريح المتحدث باسم الهيئة في مدينة حائل، لم يحسن التعامل مع الوضع، عندما اشتط في رأيه وقرر بدلاً من احتواء الدم النازف من المواطن إياه، أن رجال الهيئة سيتدخلون "بتوجيه الأوامر لأي امرأة بتغطية عينيها إذا كانت مثيرة للفتنة" ليضع بهذا التصريح كل جهود الحسبة في ورطة وحرج كبيرين، ويثير بالتالي العديد من الأسئلة، حول من أعطاه الحق في تحديد العيون الفاتنة من غير الفاتنة؟ وكيف يسمح لنفسه بالإفتاء في توصيف الفتنة من غيرها؟ وهل يجوز النظر مليّاً للتأكد من الفتنة أم لا؟.. وهكذا من الأسئلة غير البريئة ربما، لكنها منطقية بالطبع. في كل حادث، يخرج علينا من يقول في لغة تبريرية، إن الحادث فردي ولا يجب تعميمه، وهذا صحيح، فيما لو لم تتكرر الأحداث من أناس أجزم أنهم محسوبون على الهيئة حتى لو كانوا من منسوبيها، وهذه القلة، لم تعِ صيغة العصر في الخطاب، ربما لا تزال متأثرة بمشهد رجل الحسبة القديم، وهو يجول الأسواق بعصاه برفقة جندي مغلوب على أمره، يضرب الناس ويصرخ فيهم آمراً بالصلاة، وبينما الجميع يهرول خشية أو خوفاً الله أعلم يستمر المشهد في صورة اعترفنا أخيراً بأنها أساءت لديننا، وأساءت لصورتنا، وصورتنا أمام الآخرين أننا نستخدم العصا لإجبار الناس على الصلاة، وحُسبت علينا للأسف. تبدلت العصا، واختفت، ولكن حلّت محلها سكين في الجيب.. وقبلها فتوى شخصية بفتنة عيون امرأة ما، كان من نتيجتها ما حدث ولا ندري ماذا سيأتي بعدها، وكان بالإمكان فضاً للاشتباك، أن يخرج أي متحدث رسمي أو ناطق إعلامي بالهيئة ويعتذر أو يوضح الأمر، دون أن تكون المهمّة فقط هي تبرير ضرب عضو هيئة لمواطن، أي استعداء شريحة كبيرة على هذا الجهاز المهم والمفروض أن نحافظ عليه وندعمه، ولكن من خلال آليات واضحة، وتشريعات وقواعد، في إطار الاحترام المتبادل دون تسلط من هذا أو استخفاف من ذاك. لو كانت هناك قواعد واضحة، ما وجدت الهيئة نفسها في هذه الورطة، وما أثقل على الشيخ الفاضل رئيسها، ولعرف المواطن أن هناك حدوداً فاصلة، له ما له، وعليه ما عليه. الناس تغيرت، والعقول تفتحت، والتعامل المجتمعي يحتاج منا لكثير من التفهم والإدراك، وليس العصا والسكين، حتى لا تسوء صورتنا بيننا وبين بعضنا.. أو حتى لا يأتي وقت يفتي فيه جاهل بفتنة عيون أو إغراء يدين، وحتى لا يضطر كل منا لسحب زوجته أو ابنته في الشارع وقد كفنها وهي حية، لئلا ترى شيئاً وكي لا يحكم عليها مغالٍ بالفتنة! وكان الله في عون الشيخ عبدالعزيز الحمين .. ■■ تذكر .. تذكر- يا سيدي – ان اجمل العيون عيون تتطلع دائما الى السماء .. وتذكر -ايضا – ان اللسان يكون احيانا عدوا لصاحبة . ■■ وخزة .. وأنا أكتب هذه السطور تذكرت مطلع قصيدة رائعة لشاعر متميز.. يقول الشاعر : ماهقيت أن البراقع يفتنني لين شفت ظبى النفود مبرقعات الله أكبر يا عيون ناظرنّي فاتناتٍ ناعساتٍ ساحراتٍ