محمد عبد اللطيف آل الشيخ - الجزيرة السعودية أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى بحرمة عمل النساء في مهنة (كاشيرة) في الأسواق؛ انطلاقا من أن هذا العمل محرمٌ ولا يجوز؛ والسبب حسب الفتوى أن عمل المرأة في هذه المهنة يعرضها (للفتنة ويفتن بها الرجال. فهو عمل محرم شرعا، وتوظيف الشركات لها في مثل هذه الأعمال تعاون معها على المحرم فهو محرم أيضا). كما جاء في نص الفتوى أيضاً: (لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان فيه اختلاط بالرجال، والواجب البعد عن مجامع الرجال والبحث عن عمل مباح لا يعرضها لفتنتها أو للافتتان بها)! وكأن الموقعين على الفتوى توقعوا أن يرد السؤال الذي نطرحه دائماً: ما هو الحل والجوع والعوز والفقر يعصف بالمرأة، وهناك الآلاف من المتعلمات من لا يجدن عملاً، وأرقام البطالة كما تقول وزارة العمل وصلت الآن إلى 30 % تقريباً، وهي مرشحة للتفاقم أكثر، ولا يمكن إطلاقاً تصور اقتصاد، حتى ولو كان بدائياً لا تعمل فيه المرأة، فضلاً عن أن التضييق على المرأة، وإقفال الفرص في وجهها قد يضطرها إلى ممارسة الرذيلة طلباً للرزق؟.. فاكتفوا بالقول: (معلوم أن من يتقي الله جل وعلا بترك ما حرم الله عليه وفعل ما أوجب عليه فإن الله عز وجل ييسر أموره، كما قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}. وفي الحديث المخرج في مسند أحمد وشعب الإيمان للبيهقي عن رجل من أهل البادية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه)؛ طيب ؛ لماذا لم يدلونا - باراك الله فيهم - كيف يكون الفرج الذي ربما أنهم اكتشفوه وخفي عن المتخصصين في وزارة العمل؛ فالدكتور عادل فقيه والعاملون معه في لهفة لأن يدلوهم على هذا المخرج، وكلهم آذان صاغية لسماع الحل! هذه الفتوى بصراحة في منتهى الضعف؛ فهي تفتقر إلى التأصيل الشرعي بوضوح، وتنتصر للعادات والتقاليد بوضوح، وكأن الموقعين عليها أسقط في أيديهم، ولم يجدوا ما يسند رغبتهم المبيتة في التحريم، فأفتوا بالمنع دون أن يكون هناك دليل. نريد - يا أصحاب الفضيلة - دليلاً واضحاً، أو على الأقل رأيا لعالم من علماء السلف قال فيه إن على المرأة ألا تبيع ولا تشتري في الأسواق المختلطة، وإن فعلت فقد ارتكبت محرماً؟.. أعرف أن جميع المذاهب بلا استثناء أقرت عمل المرأة في الأسواق، وهناك من الشواهد والأمثلة ما تزخر به كتب التاريخ بل والأدب، وسوق مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعج بالنساء كما تقول كتب السيرة. والسؤال الذي أتمنى أن يجيبني أحدٌ عليه لماذا خلت الفتوى من التأصيل، بل وحتى من الشواهد التاريخية؛ وقفزت إلى التحريم هكذا دون أن تتكئ على دليل؟ أريد من فقهائنا السبعة الذين وقعوا على الفتوى أن يقنعوا العبد الفقير إلى لله كاتب هذه السطور بما يلي : ما هو الفرق - بالله عليكم - بين المرأة التي تفترش الرصيف في أسواق العويس في الرياض مثلاً، ويبتاع منها الرجال والنساء حاجياتهم، وبين الكاشيرة؟.. وما هو الفرق بين المرأة الكاشيرة حين تحاسب الرجال، أو العكس عندما تقوم المرأة الزبونة بمحاسبة الرجل الكاشير؟ كما أن هذه الفتوى تنطبق على المستشفيات كذلك؛ فهل يعني أن العمل ككاشيرات حرام، والعمل كطبيبات أو ممرضات حلال؟. علة التحريم كما جاء في الفتوى (لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان فيه اختلاط بالرجال) وهذه العلة تنطبق - أيضاً - على الطبيبات والممرضات وموظفات الاستقبال في المستشفيات، فهل يعني بعد هذه الفتوى أن نطرد جميع العاملين من النساء من المستشفيات، ونحصر العمل فيها على الرجال فقط؟ كل ما أريد أن أقوله هنا إن هذه الفتوى - بصراحة - في منتهى الضعف تأصيلياً، وغير قابلة للتطبيق؛ كما أنها وسيلة صارخة لقطع الأرزاق؛ وكما يقولون: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق؛ وإذا أردت أن تطاع فسل ما يُستطاع. إلى اللقاء.