عادل الطريفي نقلا عن (الشرق الأوسط) اللندنية كانت تلك رسالة القمة السورية - الإيرانية، التي عقدت في طهران يوم السبت الماضي بين الرئيسين بشار الأسد ومحمود أحمدي نجاد، وبمشاركة من المرشد الأعلى علي خامنئي. الزيارة الخامسة للرئيس الأسد لإيران منذ تولي أحمدي نجاد الرئاسة، تجيء في وقت تشهد فيه الساحة اللبنانية، والعراقية، وكذلك الفلسطينية تعقيدات كبيرة. ولعل اللافت أن الزيارة لا يفصل بينها وبين زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى دمشق إلا قرابة العشرين يوما، وهي تأتي بعد أقل من أسبوع على لقاء كل من وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون بنظيرها السوري، وكذلك لقاء الرئيس السوري بالمبعوث الأميركي، جورج ميتشل، ورئيس القائمة العراقية إياد علاوي، مما يعني أن سورية لا تزال نشطة في لعب دور الوسيط بين إيران والعالم الخارجي، وأنها عربيا الأكثر قدرة على التأثير على إيران. الرئيس الأسد وصف العلاقات بين البلدين الحليفين بأنها «عميقة وجذرية». وأضاف أن سورية وإيران «في خندق واحد ولديهما أهداف مشتركة»، ولم يفوت الرئيس الفرصة في التنبيه على فشل مشروع المفاوضات الذي تديره الولاياتالمتحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه «لم يأت بجديد». أما الرئيس أحمدي نجاد فقد أكد نجاح مشروع «المقاومة»، وطالب قوى الاحتلال الأجنبية - الأميركيين بالطبع - بالرحيل، مرحبا بأي أمة تنضم إلى مشروع «المقاومة». لعل المتابع للشأن الإقليمي يسأل: لماذا توقع البعض أن بالإمكان فصل سورية عن إيران، أو أن تضحي سورية بتحالفها التاريخي مع إيران؟ ومن أجل ماذا؟ في أواخر عام 2003، اتهم الأميركيون سورية بأنها تسمح بدخول الإرهابيين والأسلحة إلى العراق مستهدفة بذلك تقويض الوجود الأميركي في بغداد. نتيجة لذلك عملت الولاياتالمتحدة على التضييق على سورية، ونجحت في إقناع عدد من السياسيين اللبنانيين بالدفع في اتجاه استصدار القرار 1559 في سبتمبر (أيلول) 2004، الذي طالب بانسحاب القوات الأجنبية - السورية - من لبنان، ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية - حزب الله -. بعدها بشهور تم اغتيال رفيق الحريري، واتهمت سورية علنا من عدد من الأطراف اللبنانية بالمسؤولية. تعقدت العلاقات بين سورية وعدد من الدول العربية الرئيسية، واضطرت تحت ضغط من مجلس الأمن إلى الانسحاب من لبنان. حينها قررت أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وعدد من الدول العربية الرئيسية عزل سورية وإيران، لا سيما بعد تداعيات المشروع النووي الإيراني، وانتخاب أحمدي نجاد من قبل المحافظين في طهران. مضت بعد ذلك خمسة أعوام، افتعل فيها حزب الله حربا مع إسرائيل في 2006 أضرت بالاستقرار اللبناني كثيرا، تلا ذلك اعتصامات وإضرابات في بيروت حتى انتهت بغزو قوات حزب الله لبيروت والجبل في عام 2008. أما فلسطينيا، فقد انشقت حماس في حرب داخلية عن حكومة الوحدة مع حركة فتح في 2007، وخاضت حربها هي الأخرى مع إسرائيل نهاية عام 2008. خلال تلك المرحلة التي قاربت الخمسة أعوام، التزمت إيران وسورية تحالفهما، واستطاعتا دعم حلفائهما في كل من: لبنان، والعراق، والأراضي المحتلة. بيد أن سياسة عزل سورية وإيران من قبل بعض الدول العربية والأوروبية قد بدأت بالتغيير خلال العامين الماضيين، إذ بدأت العلاقات السورية - العربية في المصالحة، وشمل التقارب كلا من أميركا وأوروبا بدعوى أنه يمكن فصل سورية، أو تحييدها على الأقل عن طهران. في الوقت الراهن، لا يبدو أن هذه السياسة تؤتي ثمارها المرجوة. صحيح أن التقارب مع سورية قد نجح في استعادة قناة الاتصال (السورية) مع إيران والجماعات المحسوبة عليها في المنطقة، ولكن ليس أكثر من ذلك. بعبارة أخرى، فإن المنطقة تعود للحالة التي كانت عليها قبل أواخر عام 2003، بلا زيادة أو نقصان. الاعتقاد الأميركي - على سبيل المثال - بأنه يمكن تحييد سورية عن إيران قد ثبت كونه وهما، وقائما على حسابات براغماتية مرحلية لا تتواءم مع طبيعة التحالفات في المنطقة. في كتابه «سورية وإيران: التحالف الدبلوماسي وسياسة القوى في الشرق الأوسط»، يوضح يوبن جودرزي (2006)، أن الكثيرين لا يدركون مقدار الترابط العميق بين المصالح الاستراتيجية السورية والإيرانية، بحيث أن ضمانة الاستقرار لنظاميهما باتت تعتمد على الآخر. جودرزي يشير إلى أن النظامين على الرغم من اختلافهما الآيديولوجي لا يزالان حليفين منذ ثلاثين عاما، على الرغم من كون سورية «بعثية عربية»، وإيران جمهورية رجال دين. لقد وقفت سورية إلى جوار إيران خلال الحرب العراقية - الإيرانية، وفي ذات الوقت دعمت إيران الوجود السوري في لبنان، وأعطتها اليد العليا في تقرير السياسات هناك. ولهذا، فإن فكرة أن تتقبل سورية إبرام اتفاقية سلام مع إسرائيل في مقابل التخلي عن طهران ليست واردة، لأن سورية تعتمد على طهران بشكل أساسي للمحافظة على بقاء نظامها في وجه أي تدخلات أجنبية بعد انهيار تحالفها مع مصر بعد حرب 1973، ناهيك عن أن إيران تستفيد من تحالفها مع سورية بوصفها طريق العبور الأساسي لها إلى منطقة الشام ولبنان لدعم حلفائها. لقد جنبت إيران سورية مخاطر اعتداء العراق في الثمانينات والتسعينات، ولولا وقوف إيران بجانب سورية لتمكنت الولاياتالمتحدة من إجبار سورية على التخلي عن أوراقها في المنطقة. حزب الله - المرتبط بإيران - استطاع المحافظة على المصالح السورية في لبنان، والدفاع عن سورية في أشد لحظات التوتر، بل يمكن القول إنه لولا حزب الله لما تمكنت سورية من العودة إلى لبنان، وانتزاع الاعتذار من الساسة اللبنانيين، وينطبق ذات الشيء على حركة حماس التي نجحت في أن تكون لسورية الكلمة الأولى فيما يتعلق بعملية السلام، والتفاوض مع أميركا. هذا لا يعني أن المحور السوري - الإيراني ينجح، وأن الآخرين يفشلون، ولكنه يكشف أن محور «المقاومة» - كما يقال - ما زال قادرا على تجاوز الصعوبات التي تواجهه، وتقويض فرص السلام والاستقرار الحقيقي في المنطقة، وأن كثيرا ممن راهنوا على وجود محور حقيقي معارض للمحور السوري - الإيراني باتوا يواجهون خيبة أمل. يقول البروفسور دانييل بايمن من معهد بروكينغز بواشنطن إن التحالف السوري - الإيراني على الرغم من اختلافهما الآيديولوجي يجعل متيرنيخ فخورا بصواب نظريته في أن توازن القوى - لا الأفكار - هو سر ديمومة العلاقات بين الدول. برأيي، أن التحالف السوري - الإيراني سيظل قائما ما دامت خارطة التحالفات الإقليمية مع أميركا ثابتة من دون تغيير، وأننا لسنا بصدد طلاق سوري - إيراني قريبا ما لم تتغير الظروف الداخلية في أي من البلدين. وحتى ذلك الحين، كل عام والمحور السوري - الإيراني بخير.