سأله الصحفيّ من قناة (العالَم) الفارسية الشيعية، عن مبرّر صلاته وراء إمامٍ سنيٍّ في المسجد الأمويّ بدمشق، فأجاب (أحمدي نجّاد): (إننا ننظر بالدرجة الأولى، إلى الوحدة الإسلامية والأخوّة الإسلامية والمصير المشترك، بعيداً عن فكرة الطائفية)!.. بغضّ الطَّرْف عن حقيقة فبركة السؤال والجواب، فإنّ الرئيس الإيرانيّ –على مبدأ: صَدَقَ مُسَيْلَمَةُ الكذّاب- وضّح بشكلٍ دقيقٍ نظرته العجيبة إلى (الوحدة الإسلامية والأخوّة الإسلامية والمصير المشترك)!.. وقد كانت زيارته لعاصمة الأمويين حلقةً في سلسلة التحالف الاستراتيجيّ بين النظامين الطائفيَّيْن في المنطقة العربية، هذا التحالف القديم الجديد، الذي تجلّت تداعياته بوضوح، منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988م) إلى يومنا هذا، مروراً بحروب لبنان الطائفية، وعدوانات (حزب خامنئي اللبنانيّ) المستمرّة منذ ثمانينيات القرن المنصرم على أهل السنّة، فضلاً عن التصريحات الرسمية الإيرانية العدوانية تجاه دولة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبقية دول الخليج العربيّ.. وكذلك فضلاً عن الاحتلال الإيرانيّ المزمن لعربستان العربية والجزر الإماراتية العربية، والتبجّح بالتواطؤ الإيرانيّ مع أميركة لاحتلال العراق وأفغانستان.. وإضافةً إلى الإصرار الإيرانيّ الرسميّ على محاربة كل مَن لا يُطلِق اسم الخليج الفارسيّ على الخليج العربيّ، والعدوان الرسميّ الإيرانيّ -بل عدوان نجّاد نفسه- على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرمان أهل السنة في العاصمة طهران التي يتجاوز عددهم فيها وحدها المليون نسمة، من بناء مسجدٍ واحدٍ لهم، فيما يُسمَح فيها بوجود معابد اليهود وكنائس النصارى.. وانتهاءً بتأسيس عوامل الفتنة الطائفية في سورية، وبالتحريض على أحداث البقيع في المدينة المنوّرة، وبإشعال حرب الحوثيين في اليمن وإذكاء عوامل استمرارها!.. * * * في شهر كانون الثاني 2006م، وعلى صفحات صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية، كتب الصهيونيّ الأميركيّ المعروف (توماس فريدمان)، صاحب النفوذ لدى الإدارة الأميركية: (إنّ إيران هي الصديق الصدوق والحليف الطبيعيّ لأميركة)، واعتبر (فريدمان) أنّ (الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لا يتحقّقان عن طريق حل القضية الفلسطينية، بل عن طريق اتفاق أميركة مع إيران أولاً)!.. بينما نقل السيناتور الأميركيّ الديمقراطيّ (بيل نيلسون) عن رئيس النظام السوريّ، بعد اجتماعهما في دمشق بتاريخ 13/12/2006م، أنّ (بشار الأسد يأمل باستئناف تعاونٍ أمنيٍ أكبر مع الولاياتالمتحدة، وأنه مهتم جداً بالتفاوض مع إسرائيل لتحقيق السلام)!.. واستطرد (نيلسون) بالقول: (بناءً على توصيةٍ من رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، لم أهتم بكلام الأسد، لكنني فوجئت بعد أيام، بانكشاف قناةٍ تفاوضيةٍ سرّيةٍ سوريةٍ إسرائيلية، كانت قائمةً منذ أكثر من سنتين)!.. لم يعد خافياً، أنّ هناك تقاطعاً بالمصالح بين (أميركة وإيران والكيان الصهيوني) في العالمَيْن العربيّ والإسلاميّ، فهذه الأطراف الثلاثة يجمعها السعي الدائم، إلى إضعاف دول المنطقة وتجزئتها ونهب مقدّراتها وثرواتها، تمهيداً للخطوة التالية التي تتبدّل خلالها قواعد اللعبة بين الأطراف الثلاثة، فيتحوّل التحالف في بعض صفحاته، إلى تنافسٍ يحاول فيه كل طرفٍ تحقيق أكبر قدرٍ ممكن، من السيطرة وتوسيع مناطق النفوذ وامتلاك أكثر ما يمكن من أوراق اللعبة، لتحسين موقعه التفاوضيّ ومكانته التنافسية مع الطرفَيْن الآخرَيْن!.. وعلى ذلك، استطاعت إيران أن تبني استراتيجيتها لتحقيق أحلامها القديمة الجديدة، المركَّبة أصلاً على دوافع حقدٍ تاريخيٍ وثأرٍ قوميٍ ودينيٍّ من العرب بشكلٍ خاص، لذلك فإنها دفعت بالمصالح المشتركة مع أميركة والكيان الصهيوني قُدُماً، إلى أبعد حَدٍ ممكن.. هذه المصالح التي تجلَّت بما يلي: 1- التحالف الميدانيّ مع القوات الأميركية، لإسقاط حكومة طالبان (السنية) في أفغانستان، والحيلولة دون تشكّل المحور السنيّ الأفغانيّ - الباكستانيّ. 2- التحالف الميدانيّ مع أميركة، لاحتلال العراق وإسقاط نظامه، الذي وقف طوال عشرين سنةً.. حائلاً دون تحقيق أحلام تصدير الثورة الصفوية الخمينية الإيرانية إلى دول المنطقة. وقد عمل الإيرانيون بعد الاحتلالَيْن، على تصنيع الطائفية، وتشجيع سياسات التفتيت، والحيلولة دون نهوض دولةٍ عراقيةٍ أو لبنانيةٍ وطنيةٍ قوية، يمكن أن تشكّل تهديداً إقليمياً لمحاولات تحقيق الأحلام القومية الإيرانية.. كما عملوا على ضمان تمدّد النفوذ الإيرانيّ داخل السلطة العراقية الشيعية العميلة، وحاولوا توسيع نفوذهم في أفغانستان، وامتدّوا للعب أوراقهم السياسية والأمنية والعسكرية والدينية في سورية ولبنان واليمن، عن طريق حليفَيْ إيران: النظام السوريّ، وحزب الله الشيعيّ اللبنانيّ الذي تسانده حركة أمل الشيعية اللبنانية.. والحوثيين!.. ولتكتمل الصورة لكل ذي لُبّ، نعيد إلى الأذهان ما افتُضِح من حقائق مؤكّدة، عن روابط إيران منذ أكثر من عشرين سنةً مع الكيان الصهيونيّ (إيران غيت)، ومع أميركة.. إلى الدرجة التي دعت وزير الخارجية الصهيونيّ الأسبق (ديفيد ليفي) في حكومة (نتنياهو) السابقة.. إلى القول: (إنّ إسرائيل لم تعتبر في يومٍ من الأيام أنّ إيران هي العدوّ)!.. (جريدة هاآرتس الصهيونية بتاريخ 1/6/1997م).. كما صرّح الصحفي الصهيوني (أوري شمحوني): (إنّ إيران دولة إقليمية مهمة، ولنا الكثير من المصالح الاستراتيجية معها، فإسرائيل لم تكن أبداً، ولن تكون.. عدوّاً لإيران)!.. (صحيفة معاريف الصهيونية، بتاريخ 23/9/1997م). من جهةٍ ثانية، كان التحالف الاستراتيجيّ الإيرانيّ مع النظام السوريّ.. داعماً لتنفيذ الخطط الإيرانية في المنطقة، أي أنّ إيران استغلّت حاجة نظام بشار الأسد لحليفٍ قويّ بعد تقويض علاقاته مع أشقائه العرب، فقامت بتحويله وتحويل سورية، إلى ورقةٍ أساسيةٍ لتحقيق مخطّطها المشبوه، لتحسين موقعها التفاوضيّ مع أميركة والغرب بشأن تصنيع سلاحها النوويّ. * * * لا شك أنه من مبادئ التصدّي لأي عدوٍ أو مخطَّطٍ خارجيٍّ في المنطقة العربية والإسلامية، أن يكونَ مستنداً إلى وحدةٍ قويةٍ واسعة الطيف، ترتكز بالأساس إلى تحقيق أكبر قدرٍ ممكنٍ من التفاهم العَقَديّ والسياسيّ، ومن نُبْلِ الأهداف وتماسك الأجزاء.. فماذا فعل النظامان السوريّ والإيرانيّ بكل ذلك؟!.. لقد ذكرنا آنفاً ما فعله النظام الإيرانيّ، أما على الجانب السوريّ، فنجد أنّ النظام قد اتبع أبشع السياسات التفتيتية داخلياً وعربياً (لاسيما في لبنان والعراق)، وكان استبداده واضطهاده ونهبه وفساده، وكانت طائفيته ودكتاتوريته.. أكبر عاملٍ في تقويض القوّة الذاتية السورية، سياسياً وعسكرياً وأمنياً ووحدةً وطنية.. فضلاً عن تآمره وسعيه المستمر، لنيل المكانة المرموقة لدى أميركة والكيان الصهيونيّ، سواءً بالتعاون الأمنيّ فيما سُمِّيَ بحرب الإرهاب، أو بإجرائه المفاوضات السرّية المستمرة مع الكيان الصهيونيّ، التي افتُضِحَت أخيراً، إلى الدرجة التي أصبحت فيها حادثة مصافحة بشار الأسد لرئيس الكيان الصهيونيّ (موشي كتساب) الشهيرة في الفاتيكان.. أقل السيّئات التي قام بها هذا النظام الفاسد!.. وما الشعارات الفارغة حول الممانعة والصمود والتصدّي والمقاومة.. التي يطلقها الحليفان الطائفيان ضد أميركة والكيان الصهيونيّ، سوى فصلٍ (جديدٍ قديمٍ) من المهزلة السمجة التي باتت مكشوفةً شديدة الوضوح. في حقيقة الأمر، نظاما نَجّاد وبشار.. هما اللذان يزرعان (مع الأميركان والصهاينة) مختلف أنواع الفرقة والفتنة بين العرب والمسلمين، خاصةً في العراق وسورية ولبنان واليمن ودول الخليج العربيّ، ويقومان بدورٍ بارزٍ في إطالة أمد الاحتلال الأميركيّ للعراق وأفغانستان، وفي ارتكاب الجرائم المختلفة، وفي التفتيت والتجزئة وصنع الانقسامات بين الشعوب الإسلامية!.. لذلك، فهما لا يواجهان المحطّطات الأميركية والصهيونية، بل ينفِّذانها بدقّةٍ عالية!.. (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ).. (البقرة:11 و12). * * * قد يكون من الطبيعيّ أن يسألَ الصحفيّ في قناة (العالَم) الرئيسَ الشيعيَّ (أحمدي نجّاد)، عن مبرِّر صلاته خلف إمامٍ سنيّ في مسجد بني أمية الدمشقيّ.. لكن أليس من المدهش ألا يتوجّه هذا الصحفيّ بنفس السؤال إلى (بشار الأسد)، الذي يُصلّي وراء نفس الإمام السنيّ، في المسجد نفسه، وفي كل المناسبات الدينية الإسلامية؟!.. وصدق قول الله عزّ وجلّ في هؤلاء وأمثالهم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ).. (البقرة 9).