مشاري الذايدي الشرق الاوسط اللندنية القس تيري جونز «تافه»، الواعظ الشيعي الكويتي المقيم في لندن الذي شتم السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق «تافه»، الواعظ السني الكويتي الذي هدد بقتل الشيعة ردا على واعظ لندن «تافه» هو الآخر. ومثلهم بقليل أو كثير جملة من «التافهين» الذين يحرضون على الفتنة الدينية وإثارة الحروب على الهويات ومس الأمور الحساسة لدى هذا الدين أو تلك الطائفة. سواء من دعا إلى حرب كونية مفتوحة مع العالم الغربي، مثلما يفعل أسامة بن لادن والظواهري وتلاميذهما في اليمن والسعودية ومصر والكويت والعراق والمغرب العربي، أو من دعا إلى حرق الشيعة وتكفيرهم، أو العكس دعا إلى شن الحرب على أهل السنة لأنهم أعداء آل البيت، وأنه يجب تحرير المقدسات الإسلامية منهم، مثلما يفعل بعض «التافهين» من نشطاء شيعيين في أميركا. وصف التفاهة لست أنا من أطلقه، فواعظ لندن الشيعي الكويتي الذي شتم السيدة عائشة ودعا لثورة شيعية خليجية على غرار الثورة الخمينية، وصفه بذلك الشيخ جابر المبارك الصباح وزير الدفاع نائب رئيس مجلس الوزراء في جواب على سؤال وجهته له جريدة «إيلاف» الإلكترونية حول علاقة ما جرى في الكويت بأطراف خارجية، قال: «إن المسألة قيد التحقيق والمتابعة وقد بدأت بتصريحات صبيانية من شخص تافه مقيم في لندن بحق السيدة عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، لكن هناك من أراد استغلالها بغرض غرس بذور الفتنة بين أهل البلد، وقد استنكر كبار علماء الشيعة ووجهائها في الكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين والعراق ولبنان مثل هذه الأقوال الصبيانية». والقس تيري جونز، الذي كان يزمع حرق نسخ من القرآن، وصف من جميع العالم تقريبا بالقس المغمور والتافه، كذلك الأمر مع واعظ الكويت الجهادي السني، الذي هدد بقتل وكسر رقبة بعض النواب الشيعة ردا على واعظ لندن الشيعي! فقد وصف بالتزمت والتفاهة. وصف التفاهة هنا هو نطق نفسي عميق لدى الجميع من أجل القول إن هؤلاء المتطرفين في كلماتهم ومواقفهم ونواياهم لا يعبرون عن الجميع، وليسوا هم من يحدد بوصلة الاهتمامات العامة أو يمكن اعتبارهم اللحظة الشجاعة في التعبير عن الوعي الحاكم للجميع، لذلك رأينا كثيرا من مثقفي السنة في الخليج يسارعون للدفاع عن حق المواطنين الشيعة ونزاهتهم ووطنيتهم وأن هذا «السفيه» المقيم في لندن الذي جرح عقائد أهل السنة ورموزهم ليس إلا نشازا وشذوذا، وسارع كثير من علماء ورموز الشيعة في منطقة الخليج للبراءة من واعظ لندن، بل وصل الأمر بعائلة مرموقة من عوائل الشيعة في منطقة الخليج، وهي عائلة «بوخمسين» لأن تنشر إعلانا صحافيا احتل صفحة كاملة يتضمن الشجب والإدانة لتهجمات واعظ لندن على أهل السنة. السؤال هنا ليس في كون متشنجي السنة أو الشيعة، أو حتى المسيحيين وكل ديانة أخرى، سفهاء أو تافهين، بل السؤال هو: إذا كانوا بهذا القدر من التفاهة والخواء، فلماذا «يخضون» العالم خضا ويتنادى للرد عليهم و«تطويق» نيران مواقفهم وكلماتهم ساسة البلدان ورموزهم الدينيون والاجتماعيون؟! إذا كان المتحدث سفيها أو نكرة، فلماذا نبالي به ونمنحه هذا القدر من الاهتمام والقلق؟ كما مر قبل قليل، أظن أن تكرار وصف التفاهة والسفاهة ليس إلا ردا نفسيا دفاعيا استباقيا لعزل تأثيرات هذه المواقف والخطب عن المجتمع والحيلولة دون أن تتم ترجمة هذه المواقف والخطب إلى محركات للنشاط العام وطبيعة التفكير والاهتمامات، هي رسالة مسبقة من حراس الاستقرار الجمعي، من ساسة ورجال مجتمع ودين، إلى بقية أفراد المجتمع حتى لا يقتدوا بهؤلاء «التافهين». إذا وسعنا الصورة قليلا، فإننا نرى التوتر المذهبي والطائفي عاليا في المنطقة كلها، خصوصا مناطق «التماس» المذهبي والطائفي. ما جرى ويجري في لبنان الآن، من تراشق سياسي مبطن بعصبية مذهبية بين السنة والشيعة هو دليل على هذا التوتر المذهبي، رموز الشيعة في لبنان، أقصد المستفيدين من تصعيد «العزوة» المذهبية، يطلقون التصريحات ضد رموز السنة السياسيين، فهذا رئيس كتلة حزب الله اللبناني في البرلمان محمد رعد يحذر من إثارة الفتنة المذهبية، يقصد طبعا ردود نواب المستقبل على هجمات اللواء جميل السيد، ونفس الشيء يحذر منه نائب حسن نصر الله، نعيم قاسم، ويهدد نائب من نواب حزب الله بفتنة مذهبية غير مسبوقة. كل هذا تم على خلفية الهجوم الكاسح الذي شنه جنرال الأمن جميل السيد التابع لسورية وحزب الله على سعد الحريري ومفتي الجمهورية «السني» محمد قباني، وهو ما دفع نائبا من نواب تيار المستقبل إلى الغضب والتحذير من التهجم على «مقامات» أهل السنة في لبنان، وأنه يجب على زعيم السنة، أي سعد الحريري، أن يحمي كرامة الطائفة. مشهد لبناني مذهبي بامتياز، وإن تغلف بالسياسة، أو بالأحرى التبس الأمر علينا فلا ندري من يغلف من؟ السياسة تغلف الدين أم الدين يغلف السياسة؟! لاحظ مشهد العراق، وحروب السنة والشيعة فيه، ولاحظ فتنة الحوثيين في اليمن ومحاولات تصعيدها إلى مواجهة ذات صبغة مذهبية، رغم أنه، لحسن الحظ، لم تصل بعد إلى قبح وفجاجة الحالة اللبنانية والعراقية. لماذا هذا التوتر العام؟ هل فجأة استيقظنا وعرفنا أننا شيعة وسنة وزيدية ومسيحيون للتو؟! أم أننا نجني حصاد تأجيلنا لأسئلة الماضي وإنجاز العبور إلى الهوية الوطنية المدنية الجامعة؟ وهل الاستقرار الذي نراه الآن في بعض البلدان العربية ليس إلا مظهرا خادعا وأنه في اللحظة التي يهتز فيها حبل الأمن ستظهر هذه الدمامل الطائفية والمذهبية من تحت الرماد؟! هل طبيعة الاتصال البشري السريع هي من تسبب ببروز هذه اللغة المتوترة، فالاتصال السريع أحدث ارتباكا في الهضم لدى الثقافات البشرية المختلفة وقلقا عاما على الذات، الأمر الذي عبر عن نفسه بتعصب مبالغ فيه واحتشاد حول رموز الهوية، احتشاد فج ومفتعل؟! أم أنه الإعلام وشهوته العالية للخبر المثير والتصريح الفاقع هو الذي أدخلنا في دائرة شيطانية من الفعل ورد الفعل، فنرى فيصل عبد الرؤوف في سجال مع تيري جونز، والإعلام يلاحق.. ونرى ياسر الحبيب ومعه مبارك البذالي، والإعلام يلاحق، ونرى جلال الصغير ومعه حارث الضاري، والإعلام يلاحق. الإعلام هو من يصنع الحدث وليس هو من يغطيه؟! محتمل.. لكن من الصعب الإحالة فقط إلى دور الإعلام، هناك فيما يبدو أزمات هوية، وأزمات تنمية وفقر وانسداد ثقافي وسياسي أيضا، كما يفضل بعض دعاة التنمية الإحالة إليه والتسبب به في تفسير هذا التوتر الديني العام. المؤكد أننا نعيش جو قلق وجاهزية عالية للتأزم والتأزيم، وأي «تافه» قادر على تحريك كل العالم أو المجتمع في هذه اللحظة.. إنها لحظة التافهين «الأبطال» حقا!