الليبرالية في الأصل نظام اقتصادي ترجع جذوره إلى آدم سميث مؤلف كتاب "ثروة الأمم" الذي ظهر على الناس بنظرية "دعه يعمل، دعه يمر" Laissez faire ،Laissez passer"إي إعطاء الحرية المطلقة لقوانين السوق، وعدم تدخل الدولة فيه، منطلقا من فكرة" أنه إذا عمل كل إنسان لمصلحته، فستتحقق المصلحة للجميع" ولفترة طويلة بدت نظرية سميث طبيعية وكأنها من سنن الكون، وليست نظرية وضعها بشر، خاصة وأن النظام الذي نهض عليها وهو الرأسمالية حقق إنجازات كبيرة وحسّن مستوى معيشة الإنسان، ولكن ما لبثت أن ظهرت عيوب هذا النظام وأهمها الجشع والتجرد من الأخلاقيات واستغلال الطبقات الفقيرة أبشع استغلال، فكاد أن ينهار في ثلاثينيات القرن الماضي لولا أن كينز الاقتصادي البريطاني المشهور أنقذه، بأن أعطى للدولة سلطات تتحكم في السوق وتكبحه وتحارب الاحتكار، ونشأ نظام يسمى بدولة الرفاهية يتميز بوضع حد أدنى للأجور والإنفاق على التعليم والصحة وإعطاء مكافآت للعاجزين عن العمل، إلا أن النظام الجديد لم يقض على أهم عيوب الليبرالية وأهمها الجشع والتجرد من الأخلاقيات والمثل الدينية، وسرعان ما ارتفع صوت تلامذة آدم سميث الليبراليين وعلى رأسهم ملتون فريدمان أستاذ الاقتصاد المشهور، ونادوا بالعودة إلى الليبرالية المطلقة، وعدم تدخل الدولة في السوق وإلغاء الرقابة على البنوك وعموما القضاء على دولة الرفاهية ووجدت نظرياتهم صدى عند ريغان وثاتشر فطبقاها حرفيا، ولكن مرة أخرى أشرفت الرأسمالية على الانهيار وبدأ العالم في مؤتمر العشرين ينادي بإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي، على أن المطلوب هو تقييد الليبرالية وربطها بالقيم الأخلاقية الدينية.