أي منهج وفكر سياسي أو مذهب اقتصادي أو نظام اجتماعي مهما كان تأثيره وقدرته على تعديل نفسه من الداخل يبقى رهنا بتكوينه كفكر بشري يؤخذ منه ويرد عليه. ونحن كمسلمين نؤمن أن ما لا يرد عليه ما أنزله الله سبحانه وتعالى (القرآن الكريم) وأقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم (السنة النبوية) ما ورد منها في صحيح المتن والسند وفقا لعلم الحديث؛ فحتى آراء الفقهاء يؤخذ منها ويرد وفقا لضوابط شرعية. وعندما تشكلت الرأسمالية بطروحات أدم سميث في كتابه الشهير “ثروة الأمم” الذي نشره عام 1776، وبعبارته التاريخية (دعه يعمل.. دعه يمر) والهادفة إلى تيسير العمل وتسهيل مرور الأفراد عبر حدود الدول، أحدثت تحولا جذريا في الفكر السياسي والاقتصادي بداية القرن 19. وكأي فكر يحدث تحولا يكون له مريدون يتبنون الدفاع عنه وتطويره، فدخلت على الرأسمالية العديد من التطورات منها: مفهوم ليزي فير ويعني عدم تدخل الحكومة في الاقتصاد، ومفهوم الأيدي الخفية الذي يعني أن قوى السوق تعدل نفسها بنفسها. وكانت طروحات الاقتصادي الشهير كينز من أبرز التطورات التي أثرت الرأسمالية ومنها: (خلق الطلب الفعال وقت الأزمات)، وأن إعادة دفع الاقتصاد من جديد لا يتطلب فقط خفض أسعار الفائدة وإنما تحفيزا ماليا أيضا)، و(الأسواق المالية هي أساس الاقتصاد المنتج والحرية والفردية ولكن يجب إدارتها بكل حرص ودقة). إلا أن التطور الأهم للرأسمالية ما حدث في الثمانينيات من القرن العشرين مع وصول رونالد ريجان إلى الرئاسة الأمريكية ومارجريت تاتشر إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا بإدخالهما مفهوم اقتصاد السوق والذي أدى إلى تغير جذري في الفكر الاقتصادي العالمي برمته، فجاء تحول الصين من الاقتصاد المركزي بزعامة (دينغ زي وينغ) وانهيار الاتحاد السوفيتي الذي دفع روسيا إلى التحول إلى ذات المذهب الاقتصادي وانفتاح الهند على الاقتصاد العالمي بعد 1991، ما رسخ مبادئ اقتصاد السوق في عالم تحول مع ثورة الاتصالات إلى قرية كونية، فسارت معظم دول العالم من شرقه إلى غربه على نفس السياق.