أجدني موافقا ومنسجما شعوريا مع روح التفاؤل الهادئ الذي شعر به الزملاء بعد استشراف ما ردده معالي وزير الإعلام د. عبد العزيز خوجه من بعض العبارات التي تَشي بإدراكه للواقع الإعلامي وحماسه لتجديده ورفع مستواه وسقفه وإشاراته الدقيقة عن بعض قضايا الخلاف ورؤى النخبة الثقافية المختلفة وحق التعاطي للجميع فيها ، وربما كان هذا الشعور لدي أيضاً من رجوع معاليه من لبنان الشقيق الذي رغم كوارث الصراعات واعتداءات الصهاينة المتكررة عليه إلاّ أنّ حرية الإعلام وتقدير الشخصية الاعتبارية للصحفي والإعلامي واحترام حرية الكلمة كانت مناراً متقدما على ساحة الوطن العربي وان كانت بعض هذه الحرية ليست بالضرورة راشدة ولكن يبقى جسم الحقيقة في أن حرية الرأي أساس جوهري للتقدم الإعلامي . من هنا ادخل على المسار الأول في هذا الطرح لعله يستجلي لنا الطريق ونفيد معاليه والرأي العام الوطني برأي يستحق النظر والمراجعة ، ومن المهم أن ندرك كنخبة مثقفة أو مسئولين رسميين أن قرار التغيير في الأصل يحمل فلسفة يترتب عليها تغيير الواقع ايجابيا وليس المقصود بطاقات ترفع للتصفيق أو التهليل بل إن المسار الرئيس في هذا الاتجاه يكون بمعرفة أين حقق التغيير تقدما على الصعيد التنموي والحقوقي والثقافي للمواطن وشريحة الشباب بالذات من الجنسين فهم دائما محل النسبة الأعلى في مستقبل البناء الوطني الذي يعتمد على توازن وثقافة الفرد وروحه المعنوية التي يلعب الدور الإعلامي توازنا مهماً فيها . وبناء على ما تقدم إضافة إلى أنها قيمة مستقلة بذاتها فإن حرية التعبير بالنقد للحالة الوطنية في مساراتها الحقوقية والتنموية هي ركيزة لا بد من أن تتقدم لها مسيرة الإعلام الوطني وان يُرفع السقف في حرية التعبير الحقوقي ، وتبني معاليه لهذه القيمة يعزز لغة التفاهم التلقائي بين الدولة والحركة الثقافية ذات الرؤية الإصلاحية ، ولذا فإن تجسيد الحماية الحقوقية لصناعة الرأي هي مادة تقدم وطني ضرورية وهي أيضاً واجهة تثبت بها الدولة أنها بالفعل تمارس الدور الحضاري إعلاميا في الداخل الوطني قبل أن تبشر به للعالم. * رابطة الكتاب مرةً أخرى: وهناك جوانب مهمة ينتظر الإعلاميون من معاليه أن يبادر بالاستماع إليهم أو طلب رؤيتهم وخاصة فيما يتعلق بتشكيل رابطة الكتاب الصحفيين وما يترتب عليها من تعزيز الاحترام لشخصيته الاعتبارية والتعبير عن رأيه وحقوقه المعنوية والمادية، إن المهم أن تنتقل حركة التعبير في الإعلام إلى مدارات أوسع ولا تتكرر بعض الحالات من المنع أو التجاوز على الصحفي والإعلامي حين يتبنى أو ينقل رأياً يدفع في اتجاه التعبير الحقوقي عن المواطن . وبالإمكان أن تضبط عملية المتابعة للمختلفين مع الطرح لهذا الصحفي أو ذاك من خلال لجنة خاصة يُمثل فيها حق التعبير عن الكاتب ، مؤكدا على أهمية قيام الرابطة بعد تجربة واضحة ودلائل عديدة بأن مهام الهيئة الصحفية السعودية غير المستوعبة قطعا لأعداد كبيرة من أبناء هذا الوسط والمختل فيها التمثيل الديمقراطي في الأصل ، وتبقى الهيئة كواجهة برتوكولية للأغراض الرسمية والمناسبات . * تعزيز الوحدة بين أطياف الوطن: أمّا المسار الآخر الذي آمل أن يحظى باهتمام معاليه هو فك الاشتباك القائم في المشهد الثقافي واحسب أن إعطاء الفرصة لجميع التيارات الفكرية بالتعبير مع إيمان الجميع بالمرجعية الدستورية للدولة المتمثلة بقواعد التشريع الإسلامي في كلياته وقطعياته ومع وعي حيوي يعرف حجم المساحة التي احترمها الشارع للتعبير والنقد الفكري والثقافي وتلون الإبداع الأدبي في الصدر الأول للدولة الإسلامية التي استوعبته ونمى في أرضها ولم يعق تقدمها . لكن الإشكال وقع في توجيه القضية ولغة الخطاب الإعلامي عند البعض من زملائنا في الاتجاه الليبرالي أو بعض الوطنيين ذوي الخلافات مع الساحة الإسلامية فَفُِسر كُل حراك أو نقد أو توسيع للمعرفة الثقافية من خلال هذه الأزمة ، وهنا أصبحت الأمور تزداد سوءاً لاعتقاد البعض انه مستهدف بالفعل ومقصيٌ من دائرة التعبير الثقافي الوطني. ولا شك أنّ من المهم إصلاح هذه العلاقة وتجاوز التأزيم الذي جعل عدداً من أصحاب التوجه المحافظ من الوعاظ الفضلاء يلجأون إلى تعميم الصورة ومواجهة المشهد ، الذي بالإمكان أن يضم الساحة الثقافية بكل أطيافها ومحاسبة التجاوزات في إطار طبيعي وليس تحريضيًا مشحونًا ، ولذا فإن من المهم أن يستشعر الجميع بأن الوطن وقرارات التغيير حق وطني يوجه بحسب الثوابت واحترام التنوع المشروع ثقافيا ، وعليه فإن العديد من قضايا الخلاف يمكن تداولها بين الأطياف دون إقصاء أو احتواء لمؤسسة أو نادٍ أدبي لتوجه محدود فأولئك المثقفون يديرون المسالة والثقافة من خلال النقاش الفكري الراقي . وتعزيز هذا التواصل سيمنع دخول المسألة في معرض صراع أو تحفيز كل طرف لجمهوره وتعبير البعض عن رؤيته بحسب فهمه كواعظ وليس مثقفًا إسلاميًا له رصيد أدبي ومعرفي وحواري يفرق بين المصطلح وما يرد من تفسير تعميمي عليه . ربما أن كِلا المسارين يعتقد البعض بأنهما يحتاجان إلى وقت هذا لو كانت الرؤية مقنعة لذوي الشأن ، وفي كل الأحوال نتمنى النجاح لمعاليه لتحقيق تطورنا الوطني لبناء العهد الإعلامي الجديد كرسالة نهضة تجمع بين ثقافة الوعي الإنساني واحترام حقوق الفرد وطموحاته الوطنية وموسوعيته المتعددة والمرعية بمفهوم النهضة الإسلامية .