تعتبر المنتديات الثقافية تعبيراً عن غايات الوجود البشري ورفع مستوى الحياة من رتابة اليومي إلى مشاغل الوطن وقضاياه الحيوية . وهي حوارات وتوق دائم إلى عدم الزوال ، لأنها تعبير عن غايات وتطلعات غير قابلة للانتهاء ، إنها تطلعات تطوير المجتمع والبحث عن سبل شتى للانعتاق من معوقات هذا التطوير . والمنتدى الثقافي وفق هذه السمات والمواصفات ، لا يوحي أن خارجها لا ثقافة أو بعيدة عن همومها وتطلعاتها . وإنما هي تطمح لأن تتولى رياديا في سبيل الإعلاء من شأن الثقافة وأقطابها وحملتها بأجيالهم المتعددة وصولا إلى تعميق شعور دائم في أروقة المكان ومناشطه وأدوات تعبيراته عن المسؤولية المعنوية حيال الثقافة الوطنية ، بحيث يتحقق الوصل بين العبقرية الثقافية الوطنية أو المنتوج الثقافي الوطني والحياة العامة التي يعيشها أبناء الوطن . وبهذا لا تكون الثقافة حبيسة مكان ، بل تنطلق من مكان إلى أرجاء الوطن وتتسرب إلى كل المواطنين لتشكل غذاء فكريا معنويا ، ينعكس على سلوكه العام والخاص . وهو ( المنتدى ) يرصد في لحظة واحدة ، هذه الكثافة الإبداعية ، فيتواصل رواد المنتدى ، مع إبداعات الشعوب وأفكارهم بعيداً عن هموم عقد النقص أو عقلية المؤامرة والغزو ، وبهذا تصبح الثقافة منسربة في نسيج الحياة نفسها ، وتتعايش في أسئلتها وتحدياتها مع متطلبات الحاضر والمستقبل أيضاً . والمؤسسات والمنتديات الثقافية والأدبية وبحكم ما تتميز به من احتراف للعلم والثقافة والأدب فهي تقوم بدور التوالد القيمي المستمر بمعنى إنتاج القيم الحضارية للجماعة الوطنية ،وإعادة إنتاجها وفق متطلبات اللحظة التاريخية . كما أن الإحاطة بالسياسة الثقافية ، للمؤسسات الثقافية والأدبية الوطنية ، تقتضي الاهتمام التاريخي والحضاري للجماعة الوطنية ودورها في المحيطين العربي والإسلامي . وبهذه العملية ، تصبح المؤسسات والمنتديات الثقافية والأدبية حلقة وصل حيوية بين العمق الحضاري ومكانه والراهن بآفاقه ومتطلباته على هذا الصعيد ، والمستويات بالسياسة الثقافية لهذه المؤسسات ، ليست من وحي النظر المجرد والبعيد عن الواقع بل هي انعكاس لضرورات تاريخية حضارية ، ومتطلبات راهنة ، يصعب التغافل عنها . وعلى ضوء هذا ، ثمة مهام ضرورية ، وعلى صلة مباشرة بالبنية الذاتية لهذه المؤسسات والأطر الثقافية والأدبية وهي : - إن مهمة المؤسسات والمنتديات الثقافية والأدبية ، هي توسيع أرضية الحوار والتلاقي بين طاقات الوطن الثقافية والفكرية والعمل على بلورة المشروع الثقافي الوطني ، الذي يستوعب ثمرات الجهود المختلفة ، التي يبذلها أهل الاختصاص في هذا المجال . وإن التصور الأمثل لهذه المؤسسات هو أن تتحول إلى كيان ثقافي شامخ يلبي متطلبات المواطنين الثقافية ، ويبلور حاجاتهم وتطلعاتهم في هذا الحقل المهم . - الإسهام في تطوير الثقافة الوطنية وهو دور ووظيفة المؤسسات والمنتديات الثقافية الأساسي ، توظف له كل الامكانات ،وهو ما يميزها عن المؤسسات الأخرى ، لأنها تلامس مناطق الإبداع في ذوات مريديها فتتعهدها وتصقلها وتضفي على المادة ، رصانة البحث وهدفيته ، فتفي بوعدها لوطنها ومجتمعها وتحقق ذاتها في آن . وللإسهام هذا صيغ وميادين تتعدد وتتنوع لكنها تتفق جميعاً في كونها إضافة أصيلة متفردة . وبالتالي فإن الحقل الثقافي والأدبي الذي تعنى به المنتديات الثقافية ، ليس ملء الذاكرة بل هوتثقيف العقل وهذا لا يتأتى مصادفة وإنما بعمل هادف ويترجم في وسائل وأدوات ومناهج تنبه في العقل طاقات ومواهب وتوقظ الذات من سباتها السلبي . وفي هذا الإطار يقوم إصرار المؤسسات الثقافية ، على تنمية روح البحث لدى أبنائها ومريديها والمقصود من البحث هو الفحص العلمي المنظم في سبيل التدقيق في فكرة ما أو لاكتشاف معرفة جديدة . وبالإسهام النوعي في تطوير الثقافة الوطنية ، تسجل المنتديات الثقافية ، إخلاصها لمبادئها ووفائها الكامل للقيم والأهداف التي تلتزم بها ، وهي إنما تؤكد في ذلك ارتباطها الديناميكي بمحيطها ومجتمعها . - التواصل المعرفي والفكري مع المنجزات الثقافية والفكرية والحضارية والإنسانية. وذلك لأن المنتديات الثقافية التي تنغلق على نفسها، ولا تتواصل معرفيا وحضاريا مع منجزات الحضارة الحديثة، تفقد الكثير من حيويتها وفعاليتها. لذلك من الضروري أن تعتني مؤسساتنا الثقافة الفكرية والأدبية بعمليات التواصل مع المنجزات المعرفية والإنسانية، وتؤسس لأنشطة منبرية أو غيرها بهدف تعريف الفضاء الاجتماعي بأهم المنجزات المعرفية والحضارية... والتواصل هنا لا يعني الانخراط في عمليات الاستلاب، وإنما التعرف الواعي على كل المنجزات والإبداعات، وتوفير الفرص الدائمة لأبناء المجتمع والوطن، لكي يتعرفوا على هذه المنجزات. فالأمكنة الثقافية المبدعة والحيوية هي التي تؤسس لعلاقة إيجابية بين هذه الدوائر والمهام الثلاث بحيث لا تتخلى عن أية مهمة، وتعمل وفق خطط مرسومة ودقيقة لخلق أو المساهمة في خلق حياة ثقافية ومعرفية جادة وحيوية وقادرة على استقطاب شرائح المجتمع المختلفة. وبهذا الالتزام ومفاعيله تتمكن هذه الأمكنة من صياغة واقع ثقافي يقرب الجميع من آفاق وتطلعات الوطن على المستويين الثقافي والأدبي. فعليه فإن المنتدى الثقافي ، يتجاوز حدود المكان المادي المحسوس ، ويكون هو مصدر إشعاع معرفي وثقافي وأدبي ، وفضاء يتسع لكل الأفكار والتعبيرات ، وملتقى يضم كل القناعات والسياقات الثقافية والأدبية ، وساحة لإنتاج المعنى والأفكار . وكل محاولة لتضييق معنى المنتدى الثقافي ، هي تضر بالثقافة وتطلعاتها العليا . وحينما نتحدث عن المكان الثقافي ، فإننا في حقيقة الأمر نتحدث عن الفضاء الثقافي الحر والحيوي والمسؤول في آن ، والذي يتجه بكل طاقته البشرية والمادية لتطوير الحياة الثقافية والأدبية ، ويسعى عبر مبادرات خلاقة لاستيعاب كل المثقفين والأدباء ، والعمل على احتضانهم ورعايتهم ، وتوفير سبل الفعل والعمل الثقافي والأدبي الخلاق لهم . نبذة عن منتدى الثلاثاء الثقافي : قليلة هي الأنشطة التي تحفر عميقا في مسيرة المجتمع ، وتترك بصمات حقيقية في مسيرته .. لأن هذا الأمر يتطلب استمرارا في النشاط واختيارا دقيقا للموضوعات ، حتى يتسنى للمهتمين التفاعل والمشاركة الفعالة في مجموع الأنشطة القائمة.. ومن هذه الأنشطة والتي نستطيع أن نقول باطمئنان إنها تركت تأثيراتها الثقافية والاجتماعية ، وبلورت خياراتها ، وانفتحت على كل الفعاليات الاجتماعية والوطنية للمشاركة في فعالياتها، هو منتدى الثلاثاء الثقافي والذي تأسس في عام ( 1421) ه (2000م) بجلسة أسبوعية مساء كل ثلاثاء برعاية رئيس المجلس البلدي بمحافظة القطيف المهندس جعفر الشايب .. وخلال هذه السنوات من العطاء المتواصل ، ترك المنتدى تراثا ثقافيا وأدبيا رائعا ، واستطاع هذا المنتدى عبر مبادرات ثقافية واجتماعية عديدة كتشكيل لجنة لأصدقاء المرضى في القطيف وإقامة احتفالات تكريمية لبعض الشخصيات الثقافية والأدبية من تعميق دوره وتأثيره في الفضاء الاجتماعي .. وحتى تعم الفائدة وتتوسع دائرة المتابعين لأنشطة المنتدى عملت إدارة المنتدى على كتابة تلخيص أسبوعي لمضمون المحاضرة والندوة وإرساله عبر البريد الالكتروني إلى المئات من المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي .. كما تم إنشاء موقع خاص بالمنتدى على شبكة الانترنت ، يتضمن تغطية متكاملة عن كل الأنشطة الثقافية والأدبية التي قام بها منتدى الثلاثاء الثقافي.. والذي يضيف إلى منتدى الثلاثاء الثقافي زخما متواصلا وعطاء مستديما ، هو شخصية راعي المنتدى الثقافي الأستاذ جعفر الشايب ، فهو شعلة من النشاط والحيوية وعلى علاقة واسعة مع المثقفين والأدباء من كل مناطق المملكة ولديه إصرار عميق لإنجاح هذا المنتدى وتوفير كل أسباب تميزه وفرادته.. ومنتدى الثلاثاء الثقافي ، اهتم منذ تأسيسه بالقضايا الرئيسة التالية : - تفعيل قيم وسبل التواصل والحوار والانفتاح بين جميع المكونات والتعبيرات الثقافية والأدبية .. في سياق قناعة عميقة لدى القائمين على المنتدى مفادها : أن المجتمع السعودي كغيره من المجتمعات الإنسانية يحتضن العديد من التعبيرات والأطياف ، ولا خيار حقيقيا أمام الجميع إلا التعارف والحوار والانفتاح والتواصل وذلك من أجل ضبط عناصر الخلاف والتباين وإدارتها بطريقة حضارية وتوسيع دائرة الجوامع المشتركة .. ولقد استضاف منتدى الثلاثاء في هذا السياق العديد من الشخصيات والفعاليات الدينية والاجتماعية والثقافية من مختلف المناطق ، التي تبشر بهذا الخيار وتعمل من أجله وتدعو أبناء المجتمع والوطن إلى الالتزام بمقتضياته .. - تعزيز قيم التسامح والحرية وحقوق الإنسان بوصف أن هذه القيم ، هي القادرة على خلق مناخ ثقافي واجتماعي ، يحد من غلواء الخلاف ويحول دون اللجوء إلى نزعات الإرهاب والعنف .. لذلك نشهد أنن في جميع المواسم الثقافية لمنتدى الثلاثاء ، كانت هناك ندوات ومشاركات تؤكد على هذه القيم ، وتعمل على تعميقها في الفضاء الثقافي والاجتماعي .. لا نأتي بجديد حين القول : إن المجتمع السعودي متعدد ومتنوع على أكثر من صعيد إنساني وثقافي ، ولا يمكن انجاز مفهوم وحدة حقيقية اجتماعية وسياسية بين هذه التعدديات بدون قيمة المواطنة .. فالاعتراف بالتعددية لا يعني الانحباس فيها ، وإنما الانطلاق من احترام خصوصيتها لبناء مواطنة متساوية وجامعة .. لا تحارب الخصوصيات ، وإنما تحترمها وتفسح لها المجال للمشاركة في إثراء الحياة العامة .. وفق هذه الرؤية والمنظور ، عمل منتدى الثلاثاء ، وساهم في ضخ مفاهيم وقيم الوحدة القائمة على احترام التنوع وعلى تعددية لا تشرع للفوضى ، وإلى مواطنة تستوعب جميع الخصوصيات .. ومجتمعنا ولعوامل عديدة ، لا داعي لذكرها انكفأ على نفسه وانعزل عن محيطه العام .. ولا يمكن تعزيز قيم المواطنة بدون فك قيد العزلة والانكفاء .. لذلك عمل منتدى الثلاثاء في ندواته ومحاضراته المختلفة لنقد خيار الانعزال وتفكيك مقتضياته ، ودعا وحث على الانفتاح ونسج علاقات إيجابية مع المحيط وأثرى مفهوم المواطنة بمضامين وحقائق تنسجم وحركة التطور الفكري والاجتماعي في المجتمع السعودي .. - تأسيس مبادرات اجتماعية ، تساهم في سد حاجة ماسة في حقل من الحقول الاجتماعية الأهلية ، أو تعمل على دعم بعض المشروعات الصحية والخدمية في المجتمع.. فالفضاء الثقافي ليس منفصلا عن المجتمع وحاجاته .. وإنما هو جزء أصيل منه .. والإطار الثقافي الفعال والمؤثر ، هو الذي يعمل على تزخيم الأنشطة الاجتماعية ويقوم بمبادرات تستهدف تشجيع الفعاليات الاجتماعية لدعم وإسناد أو تأسيس مشروعات مفيدة للمجتمع .. - المساهمة في تطوير الأوضاع الثقافية والأدبية في المنطقة .. إذ إننا نعتقد أن المنتديات الثقافية والأدبية في كل مناطق المملكة ، هي بمثابة الرافعة لأوضاع المنطقة الثقافية والأدبية .. فهي الإطار الذي يجمع المثقفين والأدباء لتداول شؤون الثقافة والأدب ، وهي الفضاء الذي يعرف أبناء المجتمع والوطن بالمستجدات الفكرية والمعرفية والأدبية ، وهي المساحة الحرة التي تناقش فيها الأفكار والنظريات والأيدلوجيات .. لهذا نستطيع القول : إن المنتديات الثقافية والأدبية ، هي بمثابة الوعاء الحاضن للمثقفين والأدباء ، وهي الفرصة السانحة لتداول أهم الأفكار والمعارف ،وهي التي توفر للجيل الجديد من المثقفين والأدباء فرصة التعبير عن إنتاجهم الثقافي والأدبي .. وعلى هذه الصعد جميعا ، أبلى منتدى الثلاثاء الثقافي بلاء حسنا .. لذلك فهو بحق أحد أبرز الفعاليات الثقافية والأدبية التي تشكلت في محافظة القطيف خلال السنوات القليلة الماضية .. أفكار ومقترحات : في سياق العمل على تطوير أداء المنتديات الثقافية والأدبية في مناطق المملكة ، أدعو إلى تأسيس رابطة وطنية أهلية ، تضم كل أصحاب المنتديات الثقافية والأدبية ، لتداول الرأي والخبرة والتواصل مع الجهات الرسمية والاستفادة المتبادلة على مختلف الصعد والمستويات .. وإننا نعتقد أن وجود هذا الرابط المؤسسي الأهلي بين أصحاب المنتديات الثقافية والأدبية ،سيساهم في تطوير أداء هذه المنتديات ، وسيوفر للجميع فرص التطور والتقدم على المستويات الثقافية والأدبية والاجتماعية والوطنية .. تشجيع المؤسسات الإعلامية الوطنية المقروءة والمسموعة والمرئية .. إلى تغطية أنشطة المنتديات الثقافية والأدبية .. لأننا نعتقد أن هذه المنتديات بمناشطها المتعددة ، تشكل حراكا ثقافيا وأدبيا متميزا ، يستحق الاهتمام والتغطية الإعلامية .. لهذا فإننا ندعو مختلف المؤسسات الإعلامية ، إلى الاهتمام بمناشط المنتديات الثقافية والأدبية ، وتغطية فعالياتها المختلفة .. من الطبيعي القول : إن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ، هو من المؤسسات الوطنية الرائدة ، الذي يعنى بتعزيز قيم الحوار في المجتمع السعودي .. ويتوسل المركز في سبيل تحقيق ذلك بمجموعة من الوسائل والأفكار والمبادرات .. وإننا نعتقد أن نسج علاقة تعارف وتعاون بين المركز وأصحاب المنتديات الثقافية والأدبية ، سيساهم في تطوير الحراك الثقافي والأدبي الوطني .. لهذا فإننا ندعو إلى تأسيس وحدة إدارية متكاملة في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ، تعنى بسبل التواصل والتعاون بين هذه المؤسسة الرائدة والمنتديات الثقافية والأدبية الموجودة في كل مناطق المملكة ..