قبل التسعينيات كانت العائلة السعودية, وخاصة في المنطقة الشرقية.. تحرص على اقتناء عمود معدني يصل ارتفاعه إلى متر ونصف المتر في أعالي منازلها يسمى "الإريل", بغية التقاط عدد محدود من القنوات التي لا يتجاوز عددها 5 قنوات تجد فيها العائلة غايتها المطلوبة بالتعرف على ما يجري حولها من أحداث, ورغم ما يتعرض له هذا الجهاز من خلل وعطل فني بسبب أجواء الطقس الرديئة في بعض الأوقات, وما تلجأ إليه العائلة من وسائل عدة بغية ضبط الإرسال؛ إلا أن الاستمتاع هو سيد الموقف, وأهم ما تنشده العائلة في ذاك الوقت. ومع انفتاح العصر وتطور وسائل التقنية وجدت الأطباق الفضائية طريقها إلى أسطح المنازل, فانتشار مثل هذه الأطباق التي تلتقط عددا من الأقمار الصناعية, أصبح منظرا مألوفا في المنازل, الأمر الذي زاد عدد القنوات الفضائية إلى أكثر من 300 قناة ما بين الإخبارية والثقافية والأسرية والدينية... إلخ, والعدد قابل للزيادة في الأيام القادمة, وبلا شك أن هذا الانتشار تسبّب في ارتفاع بورصة المسلسلات الخليجية على وجه التحديد, الأمر الذي جعل المشاهد في حالة تشبّع من الأحداث المكررة والمشاهد المعادة في أغلب المسلسلات التي يراوح عددها بين 30 و50 مسلسلا في السنة, وتأخذ طابع الحزن, ما جعل المشاهد يفتش عن مطلبه في مسلسلات أخرى.. (عناوين) رصدت آراء عدد من الفنانين الخليجيين حول هذه الظاهرة وجاءت بهذا التقرير: لا يوجد كتّاب يعرفون حقيقة المجتمع يوضح الفنان عبد العزيز المسلم, أنه في السنوات الخمس الأخيرة تنوعت القضايا التي تناقش وتطرح في الدراما الخليجية, كما أن الإنتاج قد أخذ أكثر من اتجاه ما بين الاتجاه البدوي, والكوميدي, والمأساوي, واتجاه مناقشة القضايا المعاصرة, التي قد يكون في بعضها نوع من التشابه في التركيز على تفكك الأسرة, وهنا تأتي مسؤولية الكاتب في معالجة هذه القضايا بعمق أبعد للعائلة الخليجية. ويشير الفنان المسلم إلى أننا اليوم نفتقد الكاتب الجيد والملمّ بالأوضاع الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للمجتمع, الذي يعالج قضاياه, فمن الخطأ الذي يقع فيه بعض الكتاب أن يجعل جميع الشخصيات تتحدث بأسلوب واحد دون التمييز بين الكبير والصغير والجاهل والمتعلم من ناحية اختيار المفردات وردة الفعل وطريقة التفكير, وخاصة أن البيت الخليجي يضم أكثر من جيل, الأمر الذي يتطلب من الكاتب إعطاء كل شخصية حقها من جميع النواحي, ويضيف الفنان المسلم: أن بعض النصوص التي تكتب يكون في الأصل كتّابها عرب ليسوا من منطقة الخليج, فلا يجوز لمثل هؤلاء كتابة نصوص لمسلسلات خليجية دون أن يكونوا مطلعين على واقع المجتمع من مختلف النواحي, فالكتابة على حد قول الفنان القدير ليست ممارسة أو دراسة فحسب, بل إن الكاتب الجيد هو من يكون متابعا لقضايا المجتمع كي يجيد التعبير عنها كما هي في الواقع دون مبالغة أو تزييف, فعدد المسلسلات الخليجية التي تنتجها الشركات في ظل انتشار الفضائيات وصلت إلى ما بين 30 و50 مسلسلا في السنة, ونحن ليس لدينا هذا العدد من المؤلفين. ويلقي الفنان المسلم باللوم على بعض المؤلفين الذين يعرضون في كتاباتهم الشواذ من المجتمع ويأخذونهم كظاهرة طلبا لجذب الجمهور وشد انتباههم ولأغراض تجارية من القناة, ما يجعل من هذا النوع من الكتابات بعيدا عن الواقع وتهميشا للحقائق في ظل تجاهل عدد من الظواهر الاجتماعية التي تستحق العرض والمناقشة. وعن مواصفات الكاتب الجيد قال: الدراسة الأكاديمية أمر مهم للكاتب, إضافة إلى الممارسة والخبرة, كذلك الاعتدال مطلب ملح, واتصاف الكاتب بالخلق وحبه للبلد يجعل منه حريصا على التعبير عن قضايا مجتمعه بكل صدق وإخلاص, أخيرا يؤكد الفنان المسلم ضرورة التركيز على القيم الإسلامية ومحاولة خلق نماذج مشرقة ومؤثرة في المجتمع, انطلاقا من الثقافة الإسلامية التي هي المنجي الوحيد للأمة في هذا الزمان. من جانبه, أكد الفنان سمير الناصر أن ما يعرض في القنوات الفضائية من مسلسلات مطابقة للواقع لا يزيد على ما نسبته 10 % من الواقع الذي نعيشه, حيث تعمد بعض شركات الإنتاج إلى التركيز على كل ما هو غريب عن المجتمع, وتسلط الضوء عليه متبعة القول السائد: "خالف تعرف", وما يشجعها على ذلك أنها تحصد نسبة كبيرة من المشاهدين, وخاصة أولئك الذين يتابعون بشغف مثل هذه المسلسلات التي لا تصور الواقع كما هو وتعمد إلى تصوير مشاهد العنف المبالغ فيه بعض الأحيان, مركزة في ذلك على جذب انتباه المشاهد بالدرجة الأولى, الذي بطبيعة الحال ينساق وراء مثل هذه الأحداث لما فيها من إثارة في العرض وغرابة في التصوير, إضافة إلى أن الإنسان بطبيعته يميل إلى الحزن ويتأثر كثيرا بما يشاهد. ويطالب الناصر بضرورة التركيز على القضايا المهمة في المجتمع وتسليط الضوء عليها, في محاولة لعلاج مشكلة ما يقوم به بعض كتاب النصوص بتشويه الواقع فيما يكتبون, وخلق أحداث غريبة بغية جذب المشاهد, ومن ثم الربح المادي الذي يبحث عنه كثيرون هذه الأيام. في حين يرى الفنان القطري غازي حسين, أن الدراما اليوم لها دور مهم وكبير في تصوير الواقع وعرض مختلف القضايا, حيث يرى أن الدراما تصور الواقع الذي يعيشه المجتمع بنسبة 100%, اعتمادا على أنها وسيلة إعلامية من مهامها تسليط الضوء على مشكلات المجتمع على تنوعها في محاولة لمعالجة الأمور, وكشف الخلل في بعض القضايا, ومن ثم هي تهتم بعرض الواقع وتصويره كما هو, تحقيقا للهدف المنشود منها, مشيرا إلى أن بعض كتّاب النصوص العرب الذين يكتبون للدراما في الخليج قد يكونون السبب في بعض الأحيان في عدم تصوير الواقع كما هو, سواء من الأحداث, أو من الشخصيات, كما أن كثرة القنوات الفضائية اليوم كانت السبب الكبير وراء انتشار المسلسلات والبرامج على تنوعها, إلا أن الغث اليوم صار أكثر من السمين, حيث نعاني كمجتمعات, على حد قول الفنان حسين, نقص الكتاب الجيدين الذين يكونون العيون الساهرة على أحداث المجتمع والثاقبة المتابعة لما يجري في المجتمع, وتحرص على تصويرها كما هي, حيث ما زلنا نفتقر إلى الخبرة في هذا المجال, وإن طريقنا ما زال في البدايات, مؤكدا في الوقت ذاته أهمية دور الرقابة في تحديد المقاييس الفنية والإنتاجية, فعليها يتم رفض تلك الأعمال والنصوص التي لا تحمل من الواقع شيئا لسد الطريق على كل من يقصد الربح المادي فحسب في العمل الفني.