أصبحت مواقع التراث في شبه جزيرة القرم مثار مواجهة شرسة منذ ضمت روسيا القرم من أوكرانيا، التي لا تعترف به العاصمة «كييف»التي تفقد في نفس الوقت التراث الثقافي والتاريخي لشبه جزيرة القرم وتعتبره ضربة قوية أخرى في وقت تستعد فيه «كييف» لمعارك قانونية طويلة مع روسيا، وتضم القرم آثار شهيرة من قصر تتار خان في مدينة بغجه سراي وحتى مقر إقامة القيصر الذي استضاف مؤتمر يالطا إبان الحرب العالمية الثانية وقال المدعي العام أوليه ماخنيتسكي الأوكراني لوكالات الأنباء اليوم الأربعاء "لن نتخلى أبدا عن التراث القيم في القرم لأنه ملك لأوكرانيا، بينما قال وزير الثقافة يفجين نيشتشوك إن كييف تعكف على تعديل قوانينها سعيا للعدالة على الساحة الدولية في حال بدأت روسيا في إزالة معالم ثقافية من القرم أو الإشراف رسمياً على المواقع التراثية بالمنطقة. وسقط بالفعل معرض نظمته خمسة متاحف منها أربعة في القرم ومقام حالياً في أمستردام في براثن الصراع على المنطقة والذي أثار أسوأ مواجهة بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة، فأوكرانيا وسلطات القرم المؤيدة لروسيا تتنازعان ملكية المعرض المقام تحت عنوان "القرم - ذهب وأسرار البحر الأسود" ويعرض أعمالاً فنية من الذهب وأحجاراً كريمة يرجع تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد. تدير المعرض جامعة أمستردام وقال المتحدث ياشا لانجي إن تحقيقا قضائيا يجري لتحديد الوجهة التي ستعود إليها المعروضات بعد انتهاء المعرض في آخر أغسطس آب، بينما قالت فالنتينا موردفنتسيفا التي تعمل بالأكاديمية الوطنية الأوكرانية للعلوم في سيمفروبول عاصمة القرم والتي ساعدت متحف ألارد بيرسون في أمستردام على إقامة المعرض "المعروضات يجب أن تعود للقرم”، وأوضحت أن "المسألة أصبحت قضية سياسية... لو انتهى الأمر بالأشياء في كييف فأعتقد أن هذا سيكون سيئاً بالنسبة لأوكرانيا نفسها لأنه سيكون أشبه بالانتقام”، وكانت تشير إلى استفتاء أجرته القرم في 16 مارس آذار وكانت نتيجته تأييد كاسح للانفصال عن أوكرانيا والانضمام لروسيا، ووصفت أوكرانيا والغرب التصويت الذي تم الترتيب له بسرعة بأنه زائف لكن روسيا استغلته في تبرير ضمها القرم رسمياً في 21 مارس آذار، وبدأت القرم منذ ذلك الحين في التعامل بالروبل الروسي وتحولت إلى العمل بتوقيت موسكو بينما سيطرت القوات الروسية على القواعد العسكرية الأوكرانية مما اضطر كييف إلى سحب جنودها وأسرهم. الجدير بالذكر أن القرم منطقة فقيرة يعيش بها مليونا نسمة ويمثل ذوو الأصول الروسية فيها أغلبية ضئيلة. وقال المدعي العام الأوكراني إن وزارة العدل تستعد لرفع دعاوى قانونية أمام منظمات دولية لتأكيد حقوقها في المواقع التاريخية والثقافية في القرم، ورفضت الوزارة التعليق على الخطوات التي تنوي اتخاذها لكن من المرجح أن يكون أي مسعى في هذا المجال بمثابة معركة صعبة نظرا لسيطرة روسيا على المنطقة. ومما يبرز إلى أي مدى يمكن لمساعي أوكرانيا أن تواجه عقبات أخرى أن بعض مديري متاحف القرم يرحبون بالانضمام إلى روسيا على أمل أن يدفع ذلك موسكو لزيادة الميزانية المخصصة للمتاحف. وشكا فاليري ناومينكو وهو مدير متحف في القصر الذي أقام به حكام القرم في مدينة بغجه سراي من أن أوكرانيا لم تخصص أي أموال لصيانة القصر الذي تعلوه مئذنتان، وقال: "أوكرانيا لا تملك الموارد ولا الحق المعنوي للعراك على تراث القرم... الكل يدرك أن القرار اتخذ وعلينا جميعا أن نتكيف على العيش في ظل الظروف الجديدة”، وأضاف "كلما أدرك الساسة والعاملون في الحقل الثقافي في كييف ذلك أسرع كلما تحسنت الحياة في القرم وأوكرانيا أسرع”. وفي قصر ليفاديا الأنيق في يالطا عبرت لاريسا ديكوشيفا مديرة القصر عن أملها في أن ترى مزيدا من السياح الروس بعد أن تحدثت روسيا عن عزمها على جعل القرم وجهة سياحية، والقصر المقام من الحجر الأبيض يطل من أعلى ربوة على مشاهد خلابة بالبحر الأسود وكان آخر قصر أقام به القياصرة قبل الثورة البلشفية عام 1917 واستغل بعد ذلك كمصحة لمرضى السل، وفي فبراير شباط 1945 استضاف الموقع مؤتمر يالطا الذي استمر سبعة أيام واتخذ فيه ستالين وتشرشل وروزفلت قرارات حاسمة بالنسبة للنظام بعد الحرب. وقالت ديكوشيفا "القصر كان مملوكا في الأصل لأسرة رومانوف التي أنجبت قياصرة روسيا." وأضافت أن موسكو لها حقوق تاريخية في القصر وأن كييف يجب ألا تسعى لأي تعويض. ورفضت حكومة القرم الجديدة بغضب أي حديث عن مطالبات محتملة بالتعويض عن المكان الذي أممته لدى الانفصال عن أوكرانيا. وقال رستم تميرجالييف النائب الأول لرئيس وزراء القرم في أواخر مارس آذار "لن ندفع شيئا وسنتخذ الإجراءات القانونية الملائمة. وإذا تقدموا بمثل هذه المطالبات فسنتقدم نحن أيضا بمطالبات."