كان حرياً بوزارة الثقافة والإعلام أن تضع لائحة للنشر الإلكتروني توضح المواد القانونية التي يلجأ إليها المتضرر سواء كان الناشر أو المتضرر من النشر على حد سواء، والقضاء المختص هو الذي يفصل بين المتخاصمين. مع التأكيد على أهمية العمل في بيئة نظامية لوقف الفوضى في سوق النشر الإلكتروني، وهذا يعني توافر شروط مهنية قانونية لإدارة مثل هذا النوع من النشاط، ليس من بينها يجوز النشر أو لا يجوز، واشتراطات أخرى تقيّد حرية التعبير والنشر. لا أن تصدر لائحة أحادية الرأي بصيغة الأمرتحاول إلزام أصحاب المواقع الإلكترونية بأشكالها كافة الالتزام بها، وقد تؤشر مجازاً اللائحة بصيغتها المنشورة إلى أن (الربع) مازالوا في عصر القرية الكونية! وهو عصر أصبح من الماضي. لقد تجاوز العالم عصر القرية الكونية إلى عالم الشاشة الكونية بفعل ثورة الاتصالات الهائلة عبر الأقمار الصناعية، ويبدو أن مَن أعدوا اللائحة فتشوا في أرشيفهم القديم وكيّفوا بعض الفقرات لمصلحة لائحتهم ليكتمل عددها العشرون بمادة ختم التشريع (يُنشر في الجريدة الرسمية). واللافت من صياغة مواد اللائحة أن (الأرشيفيين) لم يبذلوا جهداً تقنياً على الأقل بسؤال محرّك البحث (جوجل) أوغيره، ليزودهم بالجديد في هذا المجال، وكيفية تعامل الجهات في البلدان المتقدمة مع هذا النوع من النشر لعله لو فعلوا يكون مرشداً لهم في إعداد لائحة تتناسب وعصرنا الحالي. فلائحة النشر الإلكتروني التي صدرت أخيرا سنّت موادها العشرين دون أدنى سماع لوجهات نظر المتخصصين في النشر الإلكتروني، على اختلاف وسائله، من صحف ومنتديات ومدونات والقائمة طويلة. ومن الواضح أن هدف اللائحة السيطرة على النشر الإلكتروني، كما هو الحال للنشر الورقي، وربما أنهم بقيودهم والتي منها مثلا تعيين رئيس التحرير من قبل الوزارة، يؤشرون إلى نزعة حب السيطرة. ونمط من هذا النوع لا يستقيم وثورة الاتصالات ولا حتى حرية إدارة رأس المال الخاص، وهذا يعني أن المستثمر الفرد في النشر الإلكتروني لا يملك قرار إدارة صحيفته مثلا، ولا أدري على أي (مواد) يعمل مَن أعدّ مواد اللائحة، ويبدو أنه يعمل على (طمام المرحوم) كما يقول المثل الشعبي وبعيد كل البُعد عن عصر الميجا والجيجا والتيرا. ولعل نتائج الاستطلاع، الذي أجرته (عناوين) حول اللائحة، معبرٌ عن المزاج العام لشريحة كبيرة من المجتمع السعودي، وهو الذي أظهر رفض 77 % لائحة النشر الإلكتروني بصيغتها المنشورة في وسائل الإعلام. واعتبر المشاركون الرافضون اللائحة أنها مقيدة لحرية التعبير في السعودية، وتفرض (قيدا جديدا) على الإعلام السعودي في التحليق في أجواء الشفافية والنقد البناء. يبقى القول: وهو ما ذكرته في مقال سابق في (عناوين) قبل عام ونصف، أن العالم أصبح شاشة كونية حتى ولو في الربع الخالي بفعل ثورة الاتصالات، وأن صاروخ ثورة الاتصالات السريع لن يلتفت إلى الوراء لانتظار المتأخرين، وسيمضي في طريقه إلى أفاق أدق وأعقد، مصطحبا معه كل مَن تكيّف مع الجديد، وسيترك ما دون ذلك لأرشيف التاريخ.