جاءت التجاوزات الشنيعة ضد سكان المناطق السنية العراقية المحررة من تنظيم "داعش" التي تقوم بها قوات "الحشد الشعبي" ذات الطابع الشيعي، لتبين مدى خطورة تطييف المعركة ضد الإرهاب بدلاً من جعلها معركة وطنية. لقد أخذت المعركة ضد تنظيم "داعش" في العراق بُعداً طائفياً منذ البداية، فعندما أفتى رجل الدين الشيعي علي السيستاني بالجهاد على خلفية استيلاء "التنظيم" على الموصل، تطوّع كثير من عامة الشيعة في العراق، وقلة من المجموعات السنية، وهبّت العديد من الميليشيات العسكرية التي تدين بالولاء لرجال الدين الشيعة العراقيين البارزين، ومنهم عمّار الحكيم ومقتدى الصدر الذي وجّه ميليشيا "سرايا الإسلام" التابعة له لحماية المراقد في سامراء، تلبية لدعوة المرجع السيستاني لتشكل قوات شبه عسكرية عرفت لاحقاً بقوات "الحشد الشعبي" التي تمت إضافة الصبغة الرسمية لها بتعيين فالح الفياض – مستشار الأمن الوطني في حكومتي المالكي والعبادي حالياً – رئيساً لها، وتحت قيادة أحد أبرز الشخصيات قرباً لإيران وهو هادي العامري الذي ظهرت صور كثيرة له وهو بصحبة قائد فيْلق القدسالإيراني قاسم سليماني في أرض الميدان، ما يؤكد ضلوع طهران في هذه المعركة التي لا تنفي تورّطها فيها، ويضعها تحت مسؤولية ما يحدث من تجاوزات أقرّت بها الحكومة العراقية، ونسبتها إلى "المندسين" في تلك القوات. الواقع أن التدخل الإيراني في هذه المعركة، وفي الشأن العراقي عامة، ليس مستغرباً، لكن الإشكالية الكبرى هو التأثير على الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، فبدلاً من القضاء على "داعش" والتنظيمات المتطرفة، يمكن أن تؤدي التجاوزات التي تقوم بها قوات "الحشد الشعبي" إلى انضمام كثير من أبناء المناطق السنية إلى "داعش" أو تنظيمات أخرى، وهو أمرٌ يوحي بعودة المشهد الذي ساهم في نشوء التنظيم وقدرته على السيطرة على المناطق السنية في الأساس، أو اشتعال حرب طائفية. ويرغب رئيس الحكومة العراقية الحالية تحويل "الحشد الشعبي" إلى قوات حرس وطني، وهو اقتراح وشرط للكتلة السنية من أجل المشاركة في حكومة العبادي، تحفظت عليه إيران وقوى سياسية في البداية، منها "دولة القانون" التي ينتمي إليها رئيس الوزراء الحالي لاحتمالية أن يكون طريقاً لعودة قادة الجيش العراقي السابق للحياة العسكرية بسبب ارتباطه بالمحافظات، إلا أن سبب دعمه حالياً من رئيس الحكومة هو ارتباط الحرس الوطني – الذي يحتاج لموافقة البرلمان، بعد أن وافقت عليه الحكومة – بقائد القوات المسلحة وليس بمحافظي المناطق، إلا أن ذلك لن يعالج الأمر، بل ربما يزيد من تعقيده بسبب طغيان المكون الشيعي على "قوات الحشد" التي ربما تحاكي تجربة "الصحوات" السنية التي سحقت القاعدة في الأنبار، لكن أُريد القضاء عليها فتم تفكيكها واعتقال بعض قادتها من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي، إضافة إلى ارتباط تشكيل "الحشد الشعبي" بدعوة دينية، وكذلك التجاوزات الحاصلة من قبلها في المناطق السنية. على الرغم من محاولة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي إدارة القرار العراقي بشكل يختلف عن سلفه إلا أن الشخصيات التي تدير المشهد السياسي لاتزال تحافظ على طريقة المالكي وإرثه. ويبقى السؤال المطروح: هل قوات "الحشد الشعبي" التي قال هادي العامري المشرف عليها أنه لولا قاسم سليماني لكان العراق كله تحت سيطرة "داعش"، ستتحول إلى حرس وطني أم باسيج أم ماذا؟ أيمن الحماد نقلاً عن "الرياض"