يشير قرار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بتحويل ميليشيات الحشد الشعبي إلى جزء من الجيش العراقي إلى محاولة تقنين وضعها قانونياً، ولكن هذا القرار يحمل معه تداعيات سلبية عديدة، إذ من المتوقع أن يساهم في بناء طبقة نخبوية سياسية جديدة لها شبكة مصالح اقتصادية بالبلاد، نظراً لنفوذها الأمني المتصاعد، كما أنه يعد تقنيناً غير مباشر للنفوذ الإيراني في العراق، وسيؤدي إلى زيادة الاحتقان والعنف الطائفي، بما يعيق جهود إصلاح العملية السياسية، ويقوض فرص تحقيق مصالحة حقيقية مع المكون السني، هذا ما كشفه تقرير لمركز المستقبل الإماراتي للأبحاث والدراسات المتقدمة. حيث اكد التقرير ان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، اصدر في 26 يوليو الماضي، قراراً يقضي بأن تكون ميليشيات الحشد الشعبي جزءاً من الجيش العراقي، وهي التي تم تشكيلها في أواخر يونيو 2014، بناء على فتوى من المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني رداً على بروز تنظيم "داعش" وسيطرته على مناطق واسعة داخل العراق. وقد تضمن قرار العبادي بتحويل ميليشيات الحشد الشعبي إلى قوة عسكرية أن تكون موازية لجهاز مكافحة الإرهاب، وذلك وفق النقاط التالية أن يكون تشكيلاً عسكرياً مستقلاً وجزءاً من القوات المسلحة العراقية، وأن يرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة. ويعمل هذا التشكيل بنموذج يضاهي "جهاز مكافحة الإرهاب" الحالي من حيث التنظيم والتدريب والارتباط، وبالتالي ستتألف قوات الحشد من 20 لواء عسكرياً، و7 فرق، تضم كل فرقة من 6000 الى 7500 ضابط وجندى ومنتسب، ولها موازنة مالية محددة قياساً بالقوانين المعمول بها في فرق مكافحة الإرهاب ويتألف التشكيل من قيادة وهيئة أركان وألوية مقاتلة، ويخضع منتسبوه للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي، ويتم تكييف منتسبي ومسؤولي وآمري هذا التشكيل وفقاً للسياقات العسكرية، من ترقية ورواتب ومخصصات وعموم الحقوق والواجبات، ويتم فك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينضمون إلى هذا التشكيل عن جميع الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية، ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه، ويتم تنظيم التشكيل العسكري من هيئة الحشد الشعبي بأركانه وألويته ومنتسبيه خلال مدة ثلاثة أشهر. كما رصد التقرير دوافع الحكومة العراقية لإصدار قرار دمج الحشد الشعبي ضمن الجيش العراقي فيما يلي تجنب الاعتراض على مشاركته في المعارك المقبلة ضد "داعش" والتغلب على إصرار الحشد على المشاركة في المعارك، من خلال منحه غطاء قانونياً للمشاركة في معركة الموصل تحديداً وتجنب الفيتو الدولي الذي برز خلال معركتي الفلوجة والأنبار، والاستجابة للضغوط الأميركية المتكررة على العبادي لمنع مشاركة قوات الحشد الشعبي في العمليات ضد تنظيم "داعش" الا في حالة خضوع تلك القوات لإمرة رئيس الوزراء العراقي، وليس تحت قيادة المستشارين الإيرانيين. كما ان الضغوط الإيرانية على الحكومة العراقية للمضي نحو إدماج الحشد في الجيش العراقي ويرتبط بذلك التقارير التي تشير إلى الرسالة التي بعثها المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، إلى العبادي، والتي طالبه خلالها بضرورة مشاركة فصائل الحشد في معركة الموصل وعدم تغييبها عنها، بالإضافة إلى تحذيره بأن انتهاء معركة الموصل وطرد «داعش» سيشجع التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة وجهات سياسية عراقية أخرى للمطالبة بحل الحشد كما ان ضغوط القوى السياسية الشيعية، والتي هي بمنزلة مرجعيات لقوات الحشد، على العبادي، لاتخاذ خطوات استباقية لترتيب مستقبل الحشد، وذلك في ضوء إدراكها أن طرد «داعش» من العراق بات قريباً وقلقها من مرحلة ما بعد معركة الموصل، إذ تتخوف هذه القوى من ممارسة دول التحالف لأدوات ضغط اقتصادية وعسكرية وسياسية لإجبار العبادي على حل الحشد بعد انتهاء «داعش» في العراق. كما ذكر التقرير ان قرار رئيس الوزراء العراقي يواجه عقبات عدة في محاولته الرامية إلى تحويل ميليشيات الحشد الشعبي إلى كيان عسكري رسمي، وتتمثل أبرز هذه العقبات في الطبيعة الخاصة لتنظيم الحشد الشعبي، حيث يتكون من أكثر من 50 فصيلاً مسلحاً، ويتجه العدد إلى التصاعد، وهو ما ينذر بإمكانية إخفاق المؤسسة العسكرية في استيعاب فصائل الحشد، في ضوء تراتبيتها وتعدد ولاءاتها، فمنها ما شكل على أساس وفق مرجعية المرشد الإيراني الأعلى خامنئي، ومنها ما تشكل وفق مرجعية النجف ممثلة بشخص السيستاني، ومنها ما له ولاءات فرعية مرتبطة بمراجع شيعية أخرى. إن هيكلة مجموعات الحشد وتنظيمها بشكل أفقي بمعنى أن الحشد يتكون من فصائل، ولكل فصيل زعيم يرتبط مباشرة بالرئاسة التي تتكون من هادي العامري وأبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي، وبالتالي فإن تحويل التنظيم إلى تنظيم عمودي أو رأسي على غرار الجيوش، يستدعي، إما إقصاء جميع زعماء الفصائل، ومن ثم تشكيل هيكلية عسكرية هرمية، أو منح هؤلاء الزعماء رتباً عسكرية، وهذا أمر لا ينسجم مع القانون، وقد لا يمكن تطبيقه فعليا. واضاف التقرير ان السمعة السيئة للحشد في ضوء الجرائم ذات المنحى الطائفي التي تقوم بها ميليشياته ضد السنة في المناطق التي استولى عليها من «داعش» مثلما حدث في تكريت وديالى والفلوجة ولذا ثمة مخاوف من القوى السنية من أن يكون دمج الحشد ضمن الجيش العراقي، مقدمة لتحويله إلى حرس ثوري عراقي على غرار الحرس الثوري الإيراني، ويعزز من هذا السيناريو الدعم الإيراني المكثف لتلك الفصائل، سواء مالياً وعسكريا وإشراف قائد فيلق القدس قاسم سليماني، شخصياً على عملها، بالإضافة إلى التقارير التي تشير إلى وصول قائد الحرس الثوري الإيراني السابق، العميد محسن رفيق دوست، إلى العراق للإشراف على تنفيذ الفكرة، واكد التقرير ان وجود فئة من كبار قادة الحشد تمانع تطبيق القرار على اعتبار أنه يمثل تحدياً سلطاتهم وخصماً من نفوذهم داخل ميليشيات الحشد الشعبي، وان تنامي حجم الفساد داخل الحشد الشعبي ويرتبط بذلك إعلان العبادي مؤخرأً عن وجود فساد كبير داخل هيئة الحشد الشعبي، وذلك نظراً لوجود أشخاص وهميين يتقاضون رواتب من الحكومة العراقية. واضاف التقرير انه أضفى قرار رئيس الوزراء العراقي مظلة قانونية وغطاء رسمياً على عمل الحشد الشعبي، وهو ما يمهد الطريق أمام مشاركته في معركة الموصل المقبلة وتجنب الاعتراض الدولي على ذلك، على اعتبار أن الحشد أصبح جزءاً من القوات المسلحة الرسمية، ويجري عمله وفق سند قانوني، غير أن تداعيات هذا القرار قد تكون سلبية أكثر منها إيجابية، لأن قرار العبادي يعد بمنزلة تقنين غير مباشر للنفوذ الإيراني في العراق، خاصة أن إيران مارست ضغوطا من أجل تحويل ميليشيات الحشد الشعبي إلى كيان عسكري رسمي، في ضوء موالاة أغلب فصائل الحشد لطهران. وومن جهة ثانية فإن تحويل الحشد إلى كيان عسكري مشابه لجهاز مكافحة الإرهاب، يعني أنه سيتم نشره في المحافظات السنية العراقية، وهو ما سيزيد بالتبعية من حالة الاحتقان والعنف الطائفي، خاصة في ضوء جرائم الحرب والتهجير القسري، التي مارسها بعض منتسبي الحشد في حق العرب السنة، وهو ما سيعيق جهود إصلاح العملية السياسية في البلاد، ويقوض فرص عقد مصالحة جدية مع المكون السني.