تشهد الدراما الرمضانية الخليجية لهذا الموسم بحسب مراقبين انحداراً متزايداً، ما يعيد طرح السؤال حول أهمية العودة إلى الرواية الخليجية التي يرى كثيرون أنها أضحت أقرب إلى هموم المواطن الخليجي وأعرف بدواخله وألصق بتطلعاته من هذه المسلسلات التي يقولون إنها تروج لبضاعة بالية وكاسدة. فما الصعوبات التي تعيق بلوغ هذه الروايات إلى الشاشة؟ وفيما يلي اراء عدد من المثقفين والأدباء والمهتمين بالفن. بالٍ ومتجدد في البدء، يؤكد الناقد أحمد بوقري على حاجة الدراما الخليجية لتجديد شعورها باللحظة الراهنة، ويقول: بالفعل ظهر جلياً هذا الإنحدار في أعمال الدراما الخليجية المعروضة هذا الموسم. فتكرار المواضيع نفسها والغرق الواضح والساذج في قضايا صارت مملة، أدى إلى عزوف المشاهدين عن متابعة هذه المسلسلات التي تبعث في الحقيقة على الملل. ويضيف: ظلت هذه المسلسلات لسنوات لا تطرح الا مواضيع أسرية تجاوزها الزمن، بل تجاوزها الوعي الجمعي. ففي كل مسلسل صرنا لا نرى الا طرحاً مغلقاً في دائرة الطلاق والخيانات بطريقة تنتهي غالباً بانتصار الخير على الشر ضمن حبكة سردية غير واقعية أو ضمن حبكة درامية مفعمة برؤية تبسيطية تدل على سذاجة فادحة. ويؤكد بوقري أن هناك « ضرورة ملحة للتوجه إلى الأعمال الروائية الجديدة التي كتبت بأقلام خليجية لانتشال هذه الأعمال الدرامية التلفزيونية من مزيدٍ من الانحدار والتردي السردي والتكرار الفج». وشدد على أنّ « هناك أعمالا روائية جديدة ذات بعدٍ ومضامين مغايرة تستحق التحويل إلى أعمالٍ درامية تلفزيونية ناجحة ترفع سقف الرؤية الدرامية في اتجاهات حيوية وواقعية تبعث الى جذب المشاهد وتحقق له المتعة والتفكير. فالالتفات إلى هذا الكم الروائي لاشك سيعكس بشكل خلاق التيمات والأفكار الجديدة التي انطوت عليها الحياة الجديدة في مجتمعاتنا الخليجية وتطور اللحظة الراهنة بما تنطوي عليه من تغيرات وحراك محموم نحو الانعتاق من التقليدية وقيودها البالية». وختم قائلا: اضف الى ذلك ما يمكن ان تضيفه الأعمال الدرامية التلفزيونية المعالجة لهذه الأعمال الروائية من خلق لروح النقد الذاتي الحقيقي وتشكيل الوعي النقدي المغاير بدلاً من صور هذا الوعي الزائف الذي لا يكرس الا السذاجة والموقف الأعمى غير البصير. تهميش السيناريست ويرى الروائي خالد الخضري أنّ الرواية السعودية تمتلك زخما كبيرا، على مستوى طرح القضايا التي كانت في يوم من الأيام من الصعب تناولها، وأنّ قدرة الرواية السعودية على تناول المسكوت عنه والهامشي في المجتمع، بعد مساحة الحرية التي منحها الكتاب بعد عام 2001م شكلت لها زخما فكريا واجتماعيا، ومنحهتا كذلك ثراء، ما جعلها تصبح فعلا مؤهلة لتكون طوق النجاة للاعمال الدرامية. إلا أنه يستدرك قائلا: لكن المشكلة لا تكمن هنا. المشكلة في جانب آخر تماما. المشكلة تكمن في كتّاب السيناربو وفي شركة الانتاج. مثلا: تربطني علاقة جيدة بالممثل والمنتج محمد بخش، وقد قام هو شخصيا بتنفيذ مثل هذه الافكار، حيث نفّذ مشروع بعنوان (قصة من الأدب السعودي) واستطاع أن يحول عددا من القصص القصيرة السعودية إلى أعمال درامية، قبل بزوغ نجم الرواية طبعا. واستعان في ذلك بالكاتب محمد علي قدس الذي تعلم من بخش كتابة السيناريو، وتم انتاج عدد من الحلقات منها قصة لي، من مجموعتي (عطر ارواحنا) واشتراها التلفزيون السعودي وعرضها، هذا المشروع كان قبل عام 2000م ويضيف: ولكن الاشكالية الحقيقية تكمن في عدم وجود كتاب سيناريو متميزين، وأن وجد مثل عبدالعزيز الصقعبي ومحمد قدس وغيرهما فانهم يواجهون مشكلة مع شركات الإنتاج التي لا تقدّر الكاتب ولا تعطيه أجرا جيدا، فقد يأخذ أجرا عن الحلقة الواحدة بما يعادل أجر ممثل الكومبارس!!. عديمو الثقافة ويتساءل الروائي والقاص صلاح القرشي: وهل القائمون على أمر ما يسمى بالدراما الخليجية يعرفون شيئا عن الرواية أو عن الأدب عموما؟ ويجيب: مشكلة مايسمى بالدراما الخليجية أنها واقعة تحت سيطرة قنوات تجارية يديرها مجموعة من عديمي الثقافة ينتجون أعمالا استهلاكية سطحية لا علاقة لها بالفن أو بالثقافة، واستبعد أن يكون أي من صانعي تلك الأعمال قد قرأ رواية في حياته. ويختم القرشي قائلاً: الأمل هو في وجود أشخاص مهتمين بالفن ومستقلين عن سيطرة القنوات التلفزيونية وحتى يحدث هذا فلا أمل في دراما حقيقية. هناك أعمال روائية جديدة ذات بعدٍ ومضامين مغايرة تستحق التحويل إلى أعمال درامية تلفزيونية ناجحة ترفع سقف الرؤية الدرامية في اتجاهات حيوية وواقعية تبعث الى جذب المشاهد وتحقق له المتعة والتفكير. طغيان المال ويقول المسرحي أحمد البن حمضه: بالطبع هذا ما ينادي به الكثير، حتى على مستوى السينما المصرية مثلا كانت هناك مطالبات بالرجوع والاستفادة من المنتج الروائي المصري أو العالمي، ولكن وقوفا عند سؤالك فيما يخص الأعمال التلفزيونية الخليجية، أرى أن الرجوع للرواية وحدها غير كافٍ، فعجلة الإنتاج تتداخل معها الكثير من العوامل، والنص وحده غير كافٍ للنهوض بهذه العجلة، لأن متطلبات هذه العجلة هو المال أولا وما دام من متطلبات استمراريتها وجود نجم الى نجمين وخلطة بسيطة وساذجة من القفزات الدرامية المبالغ فيها.. عندها أكون صنعت عملا تلفزيونيا، ويكون الرجوع للرواية عندها مجرد إجراء عادي لن يؤثر كثيرا ما دامت المسألة المالية وحدها هي الحكم والمسيطر. ويوضح أن هناك بعض الروايات تمت الاستفادة منها لصالح التلفزيون كرواية «شقة الحرية» للقصيبي مثلا ولا يمكن مناقشة العمل لظروف الإنتاج التي تختلف عن ما نحن فيه الآن, لكن حديثا «ابوشلاخ البرمائي» للقصيبي ورواية سارة العليوي «لعبة المرأة رجل»، وبعض الاعمال هنا أو هناك... ولكن كل هذه الأعمال لم تغيّر أو تقدّم شيئاً، مما يدلل بوضوح على عقم التجاوب بين الاشكال الفنية في منظومة الفكر الانتاجي التي تطمح لضخ جيوبها أكثر من طموحها لضخ الإبداع والجمال. تمطيط المسلسل ويرى القاص والإعلامي جعفر عمران أن الرواية الأدبية قد تكون هي الأقرب إلى الإنسان وهي التي تعبر عن همومه وأحلامه وتطلعاته. فالدراما الخليجية حتى الآن لم تستطع أن تعبّر عن الإنسان الخليجي في عيشه اليومي وهمومه الحياتية، فهي لا تتناول الفقير بشكل صادق ولا الطبيب ولا المهندس ولا المرأة بشكل حقيقي أو منصف ولا تعبر عن الشاب الخليجي الذي صار يتغير ويواكب متطلبات العصر. ويضيف: لا نرى طبقات المجتمع الخليجي بمختلف تنوعه الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، لا زالت قصص المسلسلات مركبة من خيال أو توليف الكاتب أو ما يطلبه المنتج أحياناً، البنت تحب ابن عمها، وابن عمها يحب ابنة خاله وهي تحب ابن الجيران وهكذا، ورغم الملايين التي تصرفها بعض تلفزيونات الخليج، إلا أننا نرى إنتاجاً فقيراً جدا، ونلاحظ ذلك من خلال أماكن التصوير القليلة التي عادة تكون في شقق وبيوت وفنادق ومطاعم فلا نرى شوارع المدينة ولا القرى ولا الأحياء ولا الأسواق ولا الناس. ويؤكد عمران: أرى أن مشكلة الدراما الخليجية في عدم قدرة النص على أن يكون ثلاثين حلقة، فالدراما الخليجية الحالية لا تحتمل أكثر من عشر حلقات، وأخشى أن هذا ما سيحدث مع الرواية الخليجية، وهو تمطيط الحلقات إلى ثلاثين حلقة فقط كي تتناسب مع عرض شهر رمضان، والذي يكون عادة في صالح القناة التلفزيونية التي تلبي رغبات المعلن وترغب في كسب الملايين من الإعلانات التجارية ولا يعنيها المشاهد ولا المستوى الفني للدراما. عناصر متكاملة الكاتب والناقد المسرحي عباس الحايك قال: تبدو الدراما الخليجية كل سنة تسقط في ذات المطب، بين الميلودرامية المفرطة أو التهريج، مع غياب المنطق في الحكايات والأحداث والشخصيات، والبعد عن الواقع الاجتماعي وتفاصيله، والإشكالية الأولى تبدأ من السيناريوهات التي تكتب بجدية واحترافية وباستسهال مادام السوق الإنتاجية هي ما تفرض معايير القيمة وليس القيمة الفنية، وما دام هناك منتجون يبحثون عن هذه النوعية من السيناريوهات لتكريسها في ذاكرة الدراما الخليجية. وأضاف: في الدراما المصرية والسورية استعين بالروايات وبالروائيين لكتابة سيناريوهات المسلسلات لأنهم وجدوا في الروائيين القدرة على السرد، وإضافة المنطق والحياة للحكايات، ووجدوا في الروايات الحكايات التي تقترب من الناس أكثر، فنجحت تلك المسلسلات وصارت بصمة في تاريخ الدراما في البلدين، ولكن في الخليج ابتعاد واضح عن الأعمال الأدبية، قصصا قصيرة وروايات. وختم الحايك مؤكداً وجود كم من الروايات التي صدرت في السنوات الأخيرة وهي تصلح لأن تكون مادة جيدة للدراما، بشرط وجود سيناريست متمكن يستطيع كتابة سيناريو قوي كي لا يسقط في الابتذال الموجود في الدراما حالياً، فالروايات وحدها لا يمكن أن تصنع مسلسلاً جيداً، قد تكون عنصرا مهماً، لكن الأهم تضافر كل عناصر المسلسل من سيناريو واخراج وتمثيل.