هل من الضروري أن تكون الحياة جميلة حتى تستحق الوجود فيها؟! هل البحث عن معنى للحياة يعتمد على كونها تستحق؟! ربما هذا ما يقودنا دائما إلى محاولة إثبات أن الحياة أجمل مما نتصور.. أن ثمة ما لم نستمتع به حتى الآن.. أن القادم أجمل.. هكذا نقول دائما. ماذا لو تجاوزنا هذه المقولات التي نحاول إقناع أنفسنا بها دائما، وننتقل إلى كوننا موجودين هنا لذلك علينا أن نعيش.. ولذلك علينا أن نجد الجمال والحب والشغف سواء أكان موجوداً في الأصل أم لا.. أليس هذا أكثر صدقاً في البحث؟! ما رأيك بسجين بين أربعة جدران، في حبس انفرادي طال به الزمن وساد فيه الصمت.. واختلط الليل فيه بالنهار.. ثم رأى نملة تمشي وسط هذا السكون.. تدور حول نفسها تبحث عن بقايا طعام منسي.. فرآها هذا الوحيد.. وراح يتأمل في حركاتها ومنعها من الهرب.. حدق عينيه فيها.. وضعها على كفه.. نظر في رأسها وعينيها وأرجلها.. ثم أعادها إلى الأرض وصار يتأمل في مشيتها.. إن صح ما يقال عن أزمة منتصف العمر بأن يجد الإنسان نفسه قد قضى مايزيد على نصف عمره المفترض ويجد قائمة الأمنيات لا تزال كما هي، ولم ينجز منها شيئا يذكر.. خيبة الأمل هذه تجعله يحاول الاستدراك وتعويض ما يمكن تعويضه.. لكنه ما إن يتجاوز هذه الأزمة حتى ينطفئ هذا السحر وتنكشف الغمامة.. ويرى وجه الحياة الحقيقي. وحاول استخراج نمط لدورانها وحركاتها.. صار يفلسف هذا المشهد.. وبعد فترة وجيزة شعر بالمشاركة معها.. فثمة مكان وزمان واحد يجمعهما.. وبالتالي فالحياة واحدة والمصير واحد.. وبدأ يتساءل عن هذه العلاقة.. وعن المسؤولية الأخلاقية لكل منهما تجاه الآخر.. إلخ. ربما هذا ما نصنعه في الحياة.. نحن مضطرون لإيجاد السعادة فيها لأننا هنا.. ونحن مضطرون أيضا للبحث عن المعنى فيها لأننا هنا.. أشعر أن هذه الطريقة في البحث أكثر صدقاً من محاولة إيهام أنفسنا أن الحياة جميلة ولذلك يجب أن نبقى فيها. لو خيرت بين القدوم إلى الحياة وبين البقاء في العدم، فلن أكون واثقاً من اختياري.. ولكني أظن أني لو اخترت القدوم إلى الحياة فلن يكون دافعي هذا الجمال الذي يتحدثون عنه.. بل سيكون دافعي الفضول الذي فُطرت عليه. في مرحلة من مراحل العمر يرى الإنسان الحياة مليئة بالسحر، ثمة جمال عميق في كل ما نراه، ثمة ما يجب الغوص فيه، المرأة والحب والموسيقى والحياة والسفر والمغامرة، كل ما هو جديد وكل ما هو خطر، الحب وتوأم الروح المفترض وحلم التغيير والدولة العادلة والبحث عن المعلم الحكيم والصديق الوفي.. كل ذلك يتراءى كالسحر.. ككهف مليء باللوحات الضاربة في التاريخ والتي توشك وأنت تقف أمامها على فك شفراتها.. لتخبرك عن أسرار التاريخ والإنسان.. كصندوق مليء بالأجوبة على كل تساؤلات الفلاسفة والحكماء والحيارى والتائهين.. إنه سحر الحياة الذي يوهمنا بأن الجمال آت لكنها مسألة وقت. إن صح ما يقال عن أزمة منتصف العمر بأن يجد الإنسان نفسه قد قضى مايزيد على نصف عمره المفترض ويجد قائمة الأمنيات لا تزال كما هي، ولم ينجز منها شيئا يذكر.. خيبة الأمل هذه تجعله يحاول الاستدراك وتعويض ما يمكن تعويضه.. لكنه ما إن يتجاوز هذه الأزمة حتى ينطفئ هذا السحر وتنكشف الغمامة.. ويرى وجه الحياة الحقيقي. وجه الحياة الحقيقي ليس قبيحاً.. لكنه لم يكن بذلك الجمال الذي نظنه.. فرسومات الكهف حين انفكت طلاسمها لم تكن سوى خربشات أطفال قبل آلاف القرون.. والأجوبة التي عثرنا عليها في ذلك الصندوق لم تكن سوى فذلكات ساذجة لأسئلة فلسفية عميقة.. وسيرة ذاتية وبحث عن سلام فكري لا أكثر. ذهب السحر عن الحياة فتواضع شكل الحب والعدل والمستقبل.. تواضعت الأمنيات حتى لم يعد للقائمة معنى.. فلا شيء يستحق التضحية مما سبق.. وتمضي الحياة بأقل الخسائر. هل يعد هذا تشاؤما أو واقعية؟! أظن ذلك يعود لكل فرد منا.. وحتى نكون أكثر واقعية ورضا، ربما علينا ألا نحزن على شيء مضى.. رفقاً بذواتنا.. رفقاً بسيرتنا الذاتية.. الراحمون يرحمهم الرحمن فارحموا أنفسكم. بدلا من محاولات الاستدراك واللحاق بقائمة الأمنيات، والتفكير المستمر بما مضى من العمر وما بقي.. علينا التفكير باللحظة التي نعيش فيها.. وأن نتخلص من أعمارنا.. على السنة أن تتساوى مع اللحظة.. وعلى العمر أن يكون الآن ولا شيء سوى الآن.. الماضي والمستقبل يثقلان كاهلنا فننسى اللحظة.. ومتعة اللحظة هو أن تكون فيها وحسب.. ليست متعة اللحظة هي العبثية ولا اللا معنى ولا الفوضوية.. بل الحضور الكامل.. وإعطاء الأشياء حجمها وجمالها وقبحها كما هي.. دون تبعات الماضي والمستقبل. تويتر: @alhasanmm