القبض على شخصين في تبوك لترويجهما الحشيش و(9000) قرص "إمفيتامين"    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    استقالة مارتينو مدرب إنتر ميامي بعد توديع تصفيات الدوري الأمريكي    6 فرق تتنافس على لقب بطل "نهائي الرياض"    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    دوري روشن: التعادل الايجابي يحسم مواجهة الشباب والاخدود    الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزهة في سبعة أيام
نشر في اليوم يوم 24 - 01 - 2013

في هذه الصفحة، نبحر أسبوعيًا مع كاتبنا الرشيق، نجيب الزامل، مستدعيًا يومياته، التي يلخصها لقراء (اليوم) في سبع تجارب ذهنية وفكرية، يثري بها الأفق السياسي والفلسفي والتاريخي والجغرافي والثقافي. إنها تجربة يتحمّلها الزامل وربما نتحمّلها نحن بإسقاطاتها، وتداعياتها وخلفياتها، حتى لا يكون في العقل «شيءٌ من حتى».
اليومُ الأول: الحلزون المزاجي الذي أضاع مقاطعة كورنول البريطانية
«راجي بعلبكي» مهندس لبناني يعمل بشركة سعودية كبرى، يقول: إنه يريد أن يفهم كيف بدأ القمار بالتاريخ؟ وأقول لحبيبنا راجي: هي من أقدم إدمانات البشرية، والحفريات المتوالية والآثار المتوافرة تدل على وجود المقامرة إلى ما قبل أن يُسَجَّل التاريخُ واستمر بعده. فلدينا قطعة «نرد» وجدت في أحد قبور الفراعنة يعود تاريخها إلى 3000سنة قبل الميلاد! ولوحةَ ألعابٍ على شكل عتبة في ألأكروبوليس في أثينا، وآثار رومانية وفيرة جداً. ويذكر المؤرخون حكاياتٍ طريفة ومذهلة عن المقامرة، فالمؤرخ «تاسيتوس» يذكر أن قبائلَ الجرمان الجهلة الأوائل كانوا يراهنون على نسائهم وأطفالهم.. بل حتى على أنفسهم، أي أن خسارتهم تحولهم تلقائياً عبيداً للفائزين. وكذلك فعلت بعض القبائل الأفريقية مثل «الزولو» و»الزوني» ووجد القمار في الفرس القديمة والهند واليونان والصين، ولعبة النرد بالذات قديمة جداً وأرخها «هوميروس» أبو التاريخ منذ أيام جماعةٍ يسمون «الليديّين». ووُجِدَت في انكلترا بعد احتلال الرومان لها. والأمبراطور الصيني «ياو» ابتكر ألعاب الحظ منذ أكثر من ألفَي سنةٍ قبل الميلاد، وفي سجلاتهم أن شابّاً راهن على يده، ولما خسر قطعها بنفسه. وفي «المهابراتا» التي هي أعظم سيرة سنسكريتية- هندية أثرية- يمكن العثور على حكاية الملك الطيب «يودشتير» الذي لعب القمار مع الملك الخبيث «ساكوني» وكان خبيراً في لعبة النرد المغشوش. وبدا الملك الطيب يخسر الجولات الأولى تباعاً، فخسر كل ما بخزائنه من ذهب وياقوت، ثم خسر الخيول والفيلة والمركبات المطهمة، ثم خسر العبيد والمزارع.. ثم راهن على زوجته الملكة الفاتنة «دوربادي» فخسرها، ثم على إخوته وخسرهم.. ثم على نفسه فخرسها.. خسر كل شيء. وأرسطو الفيلسوف في كتابه «الأخلاق» صنف المقامرين في طبقة اللصوص وقطاع الطرق. وفي القرون القريبة نعرف ما ذكره لنا الاقتصادي الأمريكي «جون لو» بالعقد الثاني من القرن التاسع عشر عن انتشار القمار كالعدوى الجارفة في منطقة المسيسبي. واشتهر بلندن الحي الغربي West End في القرن19حيث غصّ الحيُ ببيوت القمار. ويُنقَلُ عن مراهنة قديمة انجليزية غبية يقامر بها على سباق الحلزونات فوق رخامٍ أملس، فخذ مثلا أن مقاطعة «كورنول Cornwal» وصلت إلى مالكيها الحاليين حين حاول المالك الإقطاعي أن يحفز حلزونه للتحرك لأنه جمد مكانه، غش الاقطاعي ووخزه حلزونه بدبوس إلا أن المزاج ركب رأس الحلزون ورفض أن يتحرك.. فضاعت مقاطعة كورنول! ولم أصل معك إلى أنواع القمار في قبائل البولينيز والماوري في المحيط الهادي، وكلها قصص مضحكة مؤلمة، بالغة الألم.



اليوم الثاني: «مردك» البابلي زرع العاصفة في فم آلهة العَمى
لا تعتقدوا أننا وحدنا في عصورنا المتأخرة هذه من فكّر بملحمة الخلق الكونية، ونحن توصلنا إلى معرفة ذلك بدلائل أوصلنا إليها العقلُ عن طريق العلم، وانفتحت أمامنا صفحاتٌ من كتاب الإعجاز الإلهي الكوني. شوفوا، فيه قصص كثيرة عن كيف فكّر الإنسانُ القديمُ في خلق الكون، وكلها مضحكة، ولكن ندرسها في الأنثربولجيا التي تخص الاعتقاد البشري وتطوره. يأتي الهنود ويقولون إن ملحمة الكون بدأت بتحرك سلحفاةٍ ضخمة فتفجّر البحرُ تحتها وأخرجت مصباحاً عظيماً من الأعماق – يعني الشمس- أما الأرض اليابسة فيحملها ظهرُ السلحفاة الكبيرة.. طيب من وين تاكل السلحفاة؟ ومن أين أتت؟ أرجوكم لا يجب الإجابة على عقيدةٍ رسخَت. وأطلس الإفريق عاقبه رئيس الأرباب زيوس، وقيل جوبتر – وبين هالاثنين خلافات من الرئيس؟ ومن بدأ يبني الكون؟ ويبدو أن زيوس أخفى جوبتر- المهم كيفهم يصطفلوا كما يقول أهلنا في فلسطين وبلاد الشام. لكن السلطنة الخيالية هي التي طغت على كل النظريات فيما بين النهرين- وهنا نكمل بعض الأشياء عن هذه الحضارات التي تحدثنا عنها في النزهة السابقة- وهي النظرية التي ابتدعها البابليون، والبابليون من أكثر الناس قصصاً وثرثرة في تاريخ ما بين النهرين على عكس مساكين الحثيين والأكاديين على قولة الوالدة:»ما لهم حِسْ ولا رِسْ!» وتقول النظرية كان العالم فوضى شريرة – زين بعَد ما قالوا خلاّقة!- وكانت أحداث الكون تتخبط بلا هدى بفعل الآلهة «نيامات» وهذه لعلمكم آلهة العمى عند أهل بابل. احتجّ كبارُ الآلهة وقالوا: «ما يصير نترك هالآلهة تلعب في الكون على كيفها»، واجتمعوا على شنِّ حربٍ عليها. المهم، نادى إله الحنكة والدهاء «آيا» بقية الرَّبع من الآلهة، وشرح لهم الخطة، وكانت تحتاج فتىً شاباً لينفذها، فتقدم إله «توّه صغير» على قولة «أحلام»، وقال أنا لها. وبالفعل تمكن الإله الصغير «مردك» من إبادة آلهة العمى بأن أدخل إعصاراً بفمها ثم امتلأ جوفها، و.. بُم! انفجرت. هاه، شوفوا عاد ذكاء «مردك» وبقية البابليين، قام «مردك» بتقسيم جثمان «نيامات» إلى قسمين، فكانت الأرضُ وكانت السماء.. الحين فهمتوا؟ لذا فإن نزول الأديان السماوية أعادت العقول للرؤوس في مسألة الخلق ودعَمت العلوم كشف أسرار الكون.. وأينشتاين يقول: الدين بلا علم أعمى، والعلم بلا دين أعرج.


اليوم الثالث:ريم الغزاوية ، طفلتي، بعينيها الفستقيتين الفائضتين بحزن الأرض
كنت في غاية الانبساط وأنا أزورُ منطقة تلاقي الحضارات المتنوعة، والتخطيط العمراني المدهش في البناء، وهندسة السطوح الأرضية التي بدت وكأنها خرجت لتوها من لوحة فنان، وعجبتُ من جمال وسعة وتنوع وذكاء وثقافة إقامة المنطقة المتعددة الحضارات «كتارا» في مدينة الدوحة، العاصمة القطرية. وبينما كنت أتناول خبزة «الجاباتي» الهندية الشهيرة مع شاي «الكرَك» الهندي الشهير في مطعمٍ رائع لا يقدّم إلا هذين الصنفين، استأذنت من معي لأرتاح وأتأمل وأقرأ. فإذا موجة كبيرة من الأطفال والمراهقين الصغار من البنات والأولاد يقبلون جمعا كسرب من الفراشات، منظرهم يأخذ القلب، ثم تحلّقوا حولي، ليس التحلق حولي أنا شخصياً طبعاً، بل بطاولاتٍ حول طاولتي.. ثم بدأت الفتياتُ الصغيراتُ بجانبي يتحدثن بينما بقي الأولاد في الطاولة التي على يساري صامتين، فرميت إذني على طاولة البنيّات.. نسيت أن أقول لكم: إني لاحظت أن على أكتاف الجميع ملافع عليها العلم الفلسطيني وخمّنتُ أنهم من أبناء غزة ربما استضافتهم الحكومة القطرية.. وكانت طفلة في التاسعة أو الثامنة من عمرها، سمراء بشعرٍ مموج يميل للسواد المُحمَر بعينين واسعتين خضراوين بلون الفستق المقشور، ويملؤهما حزنُ الأرض، ومع ذلك كانت الأكثر ثرثرة، وضحكاً وحركة، إلا أني كنت معصور القلب بشكل كبير لأن عينَيّ الصغيرتين تفيضان بسيلٍ من الأحزان.. فاستعذت من إبليس. لست فضولياً- أبدا- إن صدقتموني، ولكن بلغ بي الفضول مبلغه ثم إن قلبي تعلق بالصغيرة ذات التسعة أو الثمانية أعوام.. فسألتها : «ايش اسمك؟»، فالتفتتْ مذعورة وفاحصة وكأنها تقلّبُ الأمر داخلها: «من هذا الغريب؟» «ولماذ يسألني؟»، فأعطتني ظهرها ولم تُجِبْ، وإذا الفتى الصامت الذي على يميني ينطق ويقول: اسمها «ريم». فقلت له: «إنها ما شاء الله شقيّة ومرحة وتملأ المكان ضحكاً».. التفت إليّ الصغيرُ المراهق الذي يبدو أن عقله ونفسيته تعدت عمرَه بكثير، وقال لي: «إنها تهرب بطريقتها من أحزانها..» وهنا دق قلبي بعنف وخفت من قصة سيحكيها لي الفتى ويؤلمني- وهكذا نحن ما لنا إلا أن نتألم.. وبس- أكمل «رافع» المراهق الفلسطيني الغزاوي بلا توقف: «هاي الصغيرهْ صِحْيِتْ في يوم الهجوم اليهودي على غزة ولِقْيِتْ أخواتها الخمس جثثا هامدة بجانبها»..ولم يكتفِ، بل نادى «ريم» وهتف لها: «مش هيك يا ريم؟ أخواتك ماتوا الخمسِهْ؟ طلّت علينا «ريم» من وراء كتفها، والعينان الفستقيتان الواسعتان بحزنهما الأسطوري، ولم تجب بل أعادت رأسها بلفتة سريعة وكأنها لم تسمع شيئاً،وتابعت الضحك والشقاوة اللطيفة.. على أن قلبي سقط من روْع الحزن إلى الأرض، ليس فقط بسبب فاجعتها التي لا يتحملها بشريٌ، بل بسؤال رافع التلقائي، وكأن أطفالَ غزة تصالحوا مع الموت.. جاءت حافلة ونزل منها منسقٌ ومنسقة قطريان وجمعوا فراشات غزة. ركبت البنات الصغار في الحافلة الأولى مع المشرفة، وفي الثانية الصبيان مع المنسق القطري اللطيف.. كانت على النافذة الأخيرة من الحافلة الأولى «ريم» تطل بعينين تشعان بحزن الأرض.. هذه المرة أنا من امتلأت عينه بالدموع!


اليوم الرابع: أعظم عقل علمي إسلامي
يسأل «علي الخويريز» من الأحساء: اقرأ لك حديثاً كثيراً عن أشخاص أضافوا للعلم وتتغنى بعبقرياتهم، ولكن وبدون «لف وزوغان»!! من برأيك أعظم علماء الإسلام بالعلوم؟ ممتاز علي، وأعدك لن ألف وأراوغ. طيب سأعترف لك بشخص أعتبره أعظمَ عقلٍ علميٍّ إسلامي – مع الحيرة الشديدة مقارنةً بابن الهيثم- وهو من فُتِنْتُ به لسنواتٍ طوال وقرأت كتباً غربية «تتغنى» بعقله – مو أنا يا علي- وتابعته وكتبت عنه مقالاً وبحثاً لمجلة أمريكية، وهو صاحبنا «أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني»، ولو سألتني اسمَ أمه لقلت لك من فرط تولعي وإعجابي بهذا العقل الفريد. ليه؟ أقولك! الطابع المميز بالبيروني وأصله من خوارزم، أنه من العلماء النادرين جداً الذي تنوعت وتعددت اهتماماتُهم العلميّة. عُدَّ معي: كان البيروني طبيباً، وفلكياً، ورياضياً، وجغرافياً، ومؤرخاً، وعالماً بالطبيعيات، وبالتقويم الرياضي الحسابي وهو من أصعب العلوم، وشيء آخر: كانت له اليد الطولى والتقدم في كل علم من هذه العلوم، فيأتي علماءٌ وبحّاثة من كل علم هنا وينهلون من «معلِّم العلماء» كما أسماه «بابلو نيرودا» الشاعر والمفكر التشيلي العظيم، وثنَّى عليه الزعيم الهندي الواسع الثقافة «جواهر لال نهرو» في كتابه تاريخ العالم. ولم يقف هذا العقلُ الاستثنائي المقدرة عند تلك العلوم ولكنه حرص على الإطلاع على ثقافات البلاد الأخرى من مصادرها الأصلية، درس «السنسكريتية» – الهندية القديمة- وأتقنها فتعمّق بدراسة علوم وثقافة الهند - انظر كتابَه الممتع «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل، أو مرذولة»، وفائدته ما زالت قائمة ليومنا لمن يدرس الحضارة الهندية. و»البيروني» هو من قام بعمل جداول فلكية دقيقة بناء على أرصاده، وابتكر «الاصطرلاب الاسطواني» الذي استخدمَهُ في تحديد أبعاد الأجسام البعيدة وارتفاعاتها من سطح الأرض، كما حوى كتاباهُ «القانون المسعودي» و»التفهيم لأوائل صناعة التنجيم» الجانب الأكبر من ابحاثه الفلكية. أما في حقل العلوم الطبيعية – وأريدك الله يخليك أن تتبه لهذا- فقد أدرك البيروني أنّ سرعة الضوء تزيد على سرعة الصوت زيادة هائلة، يعني قبل علماء فيزياء القرن الثامن عشر بأوروبا، فياللعبقرية!. وأشياء صغيرة على الطريق، مثل شرح القوانين المائية التي تسمى الآن بالهيدروليك، وكيفية تحكمها بالآبار والعيون. وتعرض بالتفصيل لشرح ظاهرة الزوجية في عدد أوراق الزهور. أما أبرز إبداعاته العلمية فهو ما حققه في تحديد الكثافة النوعية لعدد من الأحجار والمعادن تحديداً دقيقاً لا يختلف عن الكثافة النوعية لهذه المعادن في الوقت الحالي إلا اختلافاً يسيراً .. ولحقتني المسافة المخصصة، وإلاّ كنتُ حدثتك عن عقليته الجغرافية التي لا تجارى في تحديد خطوط الطول والعرض، وفن رسم الخرائط، واستنباط قياس الأبعاد بين المدن والبلدان، وفي علم طبقات الأرض، و»علم المعادن» وكان مرجعاً أولا لكل من يشتغل بها بزمانه ومن بعده. يكفي يا علي؟


اليوم الخامس: من الشعر الأجنبي أترجمه بتصرف- ستكون محظوظاً لوكنتَ مسلماً
في أول القرن العشرين وقف قاضٍ انجليزي، وحكم لجندي بريطاني وهندوسي ضد مسلم أعتدي عليه من قبلهما وكان صاحب دكان أقمشة حرقوه، وفي نص حكمه أساء القاضي للإسلام عبر المسلم المتقاضي، وقال له: «من سوء حظك أنك مسلم». فخرجت مظاهرة في دلهي حاشدة وأنشدوا هذا النشيد بالإنجليزية لشاعر مسلم مجهول ذكر بها «نوماز» وهي صلاة بالأردية و»آخرتْ» و»مسلمان» أي «مسلم» و»الآخرة» بالأردية من العربية:
Life is Test, Islam is best,
Namaz is must, Aakhrut is for rest,
World is only dust,
If Quran is in chest,
nothing need next,
obey Allah 1st.
1st success will be next.
The beautiful word is ALLAH,
Most beautiful song is AZAN,
Best exercise is Namaz,
World perfect book is Quran,
And.. you are so lucky if you are a Musliman.
- الترجمة:
الحياةُ امتحان، والصلاةُ واجبة
والآخرةُ محطةُ الراحة النهائية،
والحياةُ الدنيا ما هي إلا غبار.
ولما يكون في الصدر القرآنُ،
فلست بحاجةٍ لشيء بعد ذاك.
أجمل كلمة على الإطلاق كلمة الله
وأجمل ترنيمة على الإطلاق هي صوت الآذان
وأفضل تمرين على الإطلاق هي الصلاة
والكتاب الأكمل في كل الدنيا هو القرآن
و.. «ستكون محظوظاً، لو كنتَ مسلماً»..


اليوم السادس: من أكثر حكمة الدجاجة أم الإنسان؟!
تتطلع إلى دجاجتين تصرخان على بعضهما، وتهدد الواحدة الأخرى بتسريع حركة الجناحين وأصوات تصك الأذان، ثم تدخلان بعراك تطير به ريشة أو ريشتان، وفجأة تخمد طاقة القتال وتروح كل دجاجة لحالها، بل هما لا يسلكان طريقاً واحداً بل كل واحدة تأخذ طريقاً معاكساً للأخرى.. بعد دقائق ولا كأن شيئاً حصل، لماذا؟ لأن الدجاجة لديها المقدرة على ترك الأمر يمضي ثم نسيانه. البشري غالباً لا يستطيع، وهذا سبب أن العداوة بين اثننين لا تغيب خصوصاً بعد قتال، فعقله يعمل ويبني ويتأجج ناراً يرسله للعاطفة والوقود أسئلة مثل هذه: من هو أصلا ليرفع يده عليّ؟ أنا لم أنته منه، يجب أن أعطيه درساً أقوى في المستقبل كي يخرس للأبد؟ آه لو لم يمنعني بعض الناس من صفعه على وجهه، ولكني سأفعل المرة القادمة. إن آلية العداء عند الفرد، وآلية كتم الانتقام عند قادة الحروب نفس الشيء إلا أن في الآلية لأخيرة الضحية هم آلاف الجنود والمدنيين، وتبقى العداوات تضطرم في الداخل، لأننا كبشر لم نتعظ بالدجاجة، لا نعرف أن نترك الأشياء تمضي، وننزلها من على أكتافنا لنمضي خفافاً نكمل مسيرة الحياة. تذكر ذلك وأنت تستعد لالتهام دجاجة!.


اليوم السابع: مسيو غبي!
في متحف للرسوم القديمة الزيتية وقفت عند لوحة العالم «أنطون لافوازييه» تمثله هو وزوجته في المختبر قبل الثورة الفرنسية. وجلست أتأمل في وجه لافوازيية الذي بقي بملامح ناعمة تميل لملامح النساء معتمرا باروكته البيضاء، ويعتقد أن العالم فتح له كل الاكتشافات كما كان يقول لزوجته دوما: العالم يغريني أن أتعمق وأكشف مغاليقه، إني بعقلي أتحكم بقوانين الأرض، لم يفهم أحد الحرارة قبله وكان النتس يعتقدون أن الحرارة وزن أي أن المادة الحارة أثقل من الباردة.. إلا أن جاءت نظرية تقول، ابداً ليس صحيحاً، وأن الحرارة سائل في المواد متى ما رفعت الحرارة بعامل خارجي ارتفعت الحرارة يبقى الوزن ثابتاً، وأن السائل سنطلق عليه اسم الكالوري وهو لفظ لاتيني معناه حرارة. أما من صاحب النظرية فكان لافوازييه وقبل العالم غلى يومن النظرية ثم حدد الأمريكي مقدار درجات الارتفاع الحرارة وسمى الوحدة منها كالوري، وهو ما نسميه بالعربية سعرا, المهم الدراما بالحكاية من قلب اللوحة أن رجال الثورةبعد أن رأوا نجم لافوازييه يلمع، وعقله يكشف كل يوم عن جديد وصار محط نظر الدنيا، غاروا منه، وخافوا .. سحبوه بيوم كله سحاب ومطر ودحرجوا رأسه من المقصلة، والثملون يتضاحكون انظروا لرأس «الغبي».. مسيو كالوري!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.