بمدخل وأحد عشر فصلاً يتكون منها كتاب «سيكولوجية المقامر» من تأليف الدكتور أكرم زيدان وإصدار عالم المعرفة 2005م. يحاول المؤلف أن يتناول سلوك المقامر، ليس بوصفه جريمة تتطلب العقاب، وإنما باعتباره مرضاً يتطلب العلاج. من هنا اختار المؤلف عنوان فرعياً «التشخيص والتنبؤ والعلاج» ويذكر المؤلف أن كتابه هذا هو أول كتاب باللغة العربية يركز لا على نظريات المقامرة وإنما على مشكلة المقامر واضطرابات الشخصية من خلال مناقشة العديد من القضايا السيكولوجية التي تؤثر في المقامر. والمؤلف يلقي الأضواء على المقامرة من الناحية التاريخية، ويعتبرها بأنها ظاهرة قديمة جداً قدم الإنسان نفسه، ومارسها الفراعنة، والرومان، وكانت قبائل الرومان تقامر على الزوجات والأطفال والخسارة تؤدي إلى الرق والعبودية. ولعبة النرد أرخ لها «هيرودوتس» منذ أيام الليديين. وقيل إن الامبراطور الصيني أوجد ألعاب الحظ منذ ألفين ومائة سنة قبل الميلاد، ومن الطرائف المتعلقة بالمقامرة وسحرها أنها استعملت علاجاً للمرض العقلي، الذي أصيب به الملك شارل السادس ملك فرنسا العام 1392م. كذلك قبائل «البولونيز» تمارس القرعة ويدورون الجوز لاكتشاف اللصوص،وقبائل التورجا، يدورون جوز الهند لاستكشاف المجهول، فاصطحبت هذه الخطوات طريقاً للمقامرة عند هذه القبائل. وكانت المقامرة موجودة في اليونان، ولم تعتبر ممارسة محترمة، حتى أن أرسطو في كتابه «الأخلاق» صنف المقامرين في طبقة اللصول وقطاع الطرق. وانتشرت المقامرة في العصر الروماني بشكل واسع حتى أن أباطرة الرومان المشهورين «مثل كلوديوس، ونيرو» كانوا من أكثر الممارسين للمقامرة. وتم التطرق إلى المقامرة في الأدب ومن أشهر الروايات رواية «المقامر» لديستوفسكي عام 1866م التي وصف فيها حياة وسيكولوجية المقامر بأدق التفاصيل، ومن خلال تجربة عاشها نفسه كمقامر. وفي العام 1920 انتشرت الدعاوى بشرعية ترخيص المقامرة في الولاياتالمتحدة، فبدأت 21 دولة أمريكية في فتح نوادي المقامرة. ومن أشهر الولاياتالأمريكية في عالم القمار ولاية «لاس فيغاس»،وتطرق المؤلف إلى مفاهيم المقامرة وأشكالها منها: المقامرة المرضية، والمرضية الكامنة، والمرضية المحتملة، والمقامرة القهرية، والمقامرة المشكل، إدمان المقامرة، والمقامرة المعرضة للخطر، والمقامرة الاجتماعية، والمقامرة المرضية. ويرى المؤلف أن كل هذه الأنواع تندرج تحت المقامرة المرضية، واستثنى المقامرة الاجتماعية، لعلاقها باللهو والاستمتاع، أما المقامرة المرضية فتتسم بالقهر والإلزام والإجبار، وبوجود هذه الخاصية يكون الإدمان. ويعترف المؤلف أن سلوك المقامرة مشكلة، لأنه لكي تقامر يكفي مائدة واحدة، أما لكي تفهم لماذا يستمر المقامر في المقامرة، فقد لا تكفي ألف مائدة. والمؤلف أورد سبع نظريات سيكولوجية حول المقامرة وهى: نظرية التحليل النفسي للمقامرة، نظرية العوامل الشخصية للمقامر، نظرية الفعل السببي للمقامر، النظرية المعرفية السلوكية للمقامرة، النظرية العامة للمقامرة. والمؤلف ومن خلال تبنيه هذه النظريات فإنه يركز على المقامرين التقليديين من رواد ألعاب المائدة مثل: «الروليت، البكراه، البوكر»، لكن الكازينوهات وعلى حسب أحد الباحثين الأمريكيين قلصت تدريجياً المساحة المخصصة لألعاب المائدة وملأتها بالآلات الشقية، ولم تصبح هذه الآلات موجودة فقط في الكازينوهات بل تم رزعها في كل مكان الأسواق، المقاهي، ملاهي الأطفال، وليست حكراً على المدن الأمريكية، بل انتشرت هذه الظاهرة في كل المدن العربية أو بما يسمى «فيغسنة» مدن العالم. وهذا النوع هو الأكثر حضوراً في كل مجتمعات العالم، ويعد من الترفيه الاجتماعي، لكن هذه الآلات الشقية تستنزف المليارات، وآخرها الرقم الشقي (700) خاصة في مجتمعاتنا العربية. حتى أنه دُشن اصطلاح جديد على هذا النوع من المقامرة وسمي «باثولوجيا الأمل». لكن المؤلف وهو يستبعد هذا النوع ويعده من الترفيه الاجتماعي، فإن تعريفه للمقامرة ليس إلا تعريفاً تقليدياً «المقامرة أو القمار وهو من يقمر بمعنى الأرق في الليلة القمرية، والإيقاع بالآخرين. وهو أيضاً الميسر، من يسر الأمر وجعله يسيراً، وسواء كان قماراً أو ميسراً، فالمقامر هو هذا جميعه لأنه ينشد المال السهل ويلجأ إلى الخداع، ويتفرس في الخصم، ويسبر أغواره، ويستخدم الحدس، ويجد لذة في ذلك، ويخاطر بمبالغ كبيرة، وتأخذه الحمية....». هذا التعريف يصلح لألعاب المائدة التقليدية المنتهية الآن، بانتشار الآلات الشقية. والمؤلف أشار إلى أن الكتّاب الأجانب قد عرضوا للمقامرة باستفاضة، لكن الكثير من هذه الكتابات والدراسات قد تناقضت في الكثير من نتائجها، لأن بعض الباحثين تناولوا المقامرة من حيث علاقاتها الهامشية بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية، من دون أن يركزوا على العوامل النفسية. وهذا صحيح، حلل كثير من الأمريكيين ظاهرة المقامرة وركزوا على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وتوسعوا في هذا المجال ودرسوا ظاهرة القمار ببعديه الاجتماعي والاقتصادي، وأصبح لديهم مكتبة ضخمة حول اجتماعيات واقتصاديات القمار، وتم تناول الظاهرة من خلال الأفلام السينمائية وربما كلنا شاهد فيلم «كازينو» الذي يلقي الأضواء على عالم القمار وكيف أصبح بؤرة من بؤر الجريمة. لكن نطرح هنا مداخلة بسيطة على المؤلف، فالنظريات والمفاهيم وأساليب العلاج التي ذُكرت في الكتاب هي نظريات أجنبية، وأمريكية على وجه التحديد، إذاً كيف نتهمهم بأنهم ركزوا علي المقامرة من ناحيتها الاجتماعية والاقتصادية، وأغفلوا الجوانب النفسية، وكل النظريات «الشخصية والتنبئية والعلاجية» التي يوردها المؤلف بتوقيع أجنبي. والمؤلف هنا وهو يورد هذه النظريات العلاجية والاستشفائية العربية لم يسأل نفسه كيف تمت صياغة هذه النظريات؟والنظرية لا يمكن بلورتها إلا بعد ركام هائل من الأبحاث الاجتماعية والاقتصادية والبيولوجية لأي ظاهرة كانت، فما بالك إذا كانت الظاهرة تتعلق بالقمار، فلا توجد كازينوهات في العالم العربي معلنة تُسوِّق لظاهرة القمار، وإن وُجدت ففي السر، إذن كيف نطبق هذه النظريات على المقامر العربي في معزل عن وضوح الظاهرة؟ إ ن دراسة ظاهرة المقامرة من خلال مسبقات أخلاقية شيء، ودراستها بوجود احصائيات، وأبحاث اجتماعية واقتصادية شيء آخر، هذا الذي لم يلتفت إليه المؤلف أثناء تأليفه هذا الكتاب. في ظل هذه التطورات في عالم القمار، والفقر في دراسات اجتماعية القمار في العالم العربي، كيف نستطيع أن نحدد مفهوماً له وكيف نقترح العلاج؟ إلا إذا كانت المسألة «قص ولصق» من النظريات الغربية، وهذا ما يقوم عليه الكتاب.