بحماسةٍ لا تعرف الكلل، ونشاط يزداد توهجاً، يمضي ثلة من أصحاب المواهب من ذوي الإعاقة الفكرية البسيطة التي أنعم الله عليهم بإرادة لا تنضب، والسعي إلى أخذ موقعهم المناسب في المجتمع ولسان حالهم يقول «نحن هنا!» متجاوزين التحديات وكلهم إصرار على إحداث الفارق والنجاح في تجربة انخراطهم ببرنامج التدريب الزراعي، الذي أزيح الستار عن نسخته الثانية في الإحساء برعاية ودعم بنك الرياض. ولعل المتتبع لمسارات هذه المبادرة الواعدة التي أطلقتها جمعية المعاقين بالإحساء وتحت إشراف قسم الإرشاد الزراعي بهيئة الري والصرف الصحي بالإحساء، يكتشف الأثر الفاعل الذي أحدثه البرنامج لتحفيز طاقات المشتركين، ويشعل العزيمة في أعماقهم. ويرى المشرف العام على برامج خدمة المجتمع في بنك الرياض محمد الربيعة أن برنامج التدريب الزراعي كفيل برواية عشرات القصص من تجارب النجاح والتميز لأبطال حقيقيين من أفراد المجتمع سعوا بكل ما أوتوا به من قوة لتحويل إعاقتهم البسيطة إلى طاقة لا تنضب من الجهد والطموح، ورغبة جادة في أخذ موقعهم الملائم في المجتمع كعنصر فاعل ومؤثر أسوة بغيرهم. ويلفت الربيعة إلى اعتزاز البنك بشراكته في تبني هذا البرنامج والذي يتجدد مع كل تجربة نجاح تتعالى أصداؤها بفضل البرنامج، ومع كل ابتسامة ترتسم على شفاه أحد منسوبيه مع استعداده لوضع قدميه على أولى خطوات مستقبله الوظيفي وجني ثمار مثابرته واجتهاده بعد أن أتمّ مساقاته التدريبية بكفاءة واقتدار. وتجربة علي بن محمد الدريسي هي إحدى الحكايات المتواترة لبرنامج التدريب الزراعي، وهو أحد خريجي برامج التربية الفكرية التابع لإدارة التربية والتعليم، والذي لا تحتاج إلى كثير من الوقت لتكتشف وأنت جالس إليه وتتبادل الحديث معه مدى قدرته الفائقة في التفوق على إعاقته العقلية البسيطة، بروحه المرحة، وطاقته الإيجابية، التي يصرّ على توظيفها في مسارها الصحيح والنظر إلى المستقبل بعين المتفائل قافزاً على العديد من الحواجز التي اعترضت مسيرة حياته. فرغم التحاقه مبكراً كطالب في برنامج التربية الفكرية التابع لوزارة التربية والتعليم، وتخرجه بنجاح من البرنامج، إلا أن تلك الخطوة كانت بمثابة بداية رحلة طويلة للبحث المضني عن وظيفة مناسبة، لبناء مستقبله وتحقيق حلمه، إلى أن ساقته الأقدار إلى جمعية المعاقين بالإحساء للبحث عن وظيفة، ألحقته بدورها ببرنامج التدريب الزراعي لذوي الإعاقة العقلية البسيطة لمدة ستة شهور. ويصف مدير عام جمعية المعاقين بالإحساء عبداللطيف الجعفري، برنامج التدريب الزراعي بأنه أنموذج للشراكة المجتمعية البنّاءة الموجهة لخدمة وتأهيل ذوي الإعاقة، مشيداً بدور الجهات المشاركة وبالرعاية الكريمة لبنك الرياض ومساهمته الفاعلة في إنجاحه، والتي تعكس ريادة البنك في خدمة المجتمع. ويضيف الجعفري بأن البرنامج يقوم على مبدأ الاندماج والتكافل التام لمنسوبيه، من خلال تأهيلهم في العديد من المهارات الزراعية التي تتنوع بين تنسيق الحدائق والمشاتل الزراعية، والفلاحة، والبستنة، وتربية النحل، وتنفيذ شبكات الري، وتمنحهم الكفاءة اللازمة لإيجاد فرصة العمل المناسبة. ويمضي الجعفري برواية تجربة "علي" في البرنامج قائلاً: بعد انخراطه في فعاليات البرنامج بشهور بسيطة أخذت بوادر النجاح الذي حققه علي بالظهور، وتمكّن من اكتساب خبرات عالية في حقول البرنامج، أهّلته لتحقيق حلمه بالحصول على وظيفة مناسبة قبل انتهاء فترة التدريب. وأشار الجعفري أنه لا يخفي علي الذي يمتلك سيارة من حسابه الخاص، رغبته بتكوين أسرة، والوصول بطموحه إلى ما هو أبعد من مجرد وظيفة بقوله إنني لن أتوقف عند حدود وظيفتي فحسب، بل أتطلع إلى تكوين مشروع تجاري يتخصص في مجالي الذي جنيت خبراته من خلال برنامج التدريب الزراعي.