الحب ماءُ العمر، فالأجدر ألاّ نهدره على أراضٍ صبخاء لا تُنبت، فمن المؤلم أن يتساوى الماء والسراب،لا لعيب في الماء وإنما لعلة في الأرض، هناك أراضٍ عاقر ،مهما تغلغل الماء في أحشائها لا تلد، غير ذي زرع.. لا تُنجب بنين ولا بنات ولا تُنجب ظلاًّ، بعضها كثبان رمل لا يستقيم بها جذع ولا تمتد فيها جذور.. شَرِهة للأخذ حدّ الجشع، زاهدةٌ في العطاء حدّ البخل، وبعض الأراضي إذا ارتوت لا تنجب سوى الشوك وجراح الخطوات، وعلى الطرف الآخر من المعادلة هناك أراضٍ غنية بالماء يكفي أن ترفع الطرف من خمار وجهها بكفك حتى ينهمر الماء عذباً زلالا، وأخرى لو أمضيت العمر تخلع من جلاليبها حدّ التعري لن تجود عليك بقطرة، فمهما ارتحلت في جوفها فلن تجد ما يبلّل الرمل سوى غزير عرقك ودمع الندم. أعمارنا هي آبارنا التي ستصبح خاوية من الماء بعد حين، فلنحرص على أن هذا الماء الغزير الذي تمتلىء به أعمارنا/آبارنا الآن لن يذهب في غير محله،حتى نضمن أننا بعد أن نجف لن نجلس في العراء،عرضة لهجير الصيف وبرد الشتاء، وذئاب الوحشة، وقطّاع الطرق، كل قطرة حب غالية جدا، كل قطرة حب يقابلها نداء احتياج لزهرة ما في مكان ما، كل قطرة حب يقابلها غصن سيثمر لولا ثيابه الصفراء.فلماذا يضيع العمر إذن على أراضٍ لا تجود بالماء ولا ترد الجميل له؟! الناس أراضٍ، فالإنسان أصلاً خلق من طين، فلنحرص على اختيار الأرض التي نحب حتى لا تضيع مياه أعمارنا معها هدرا، الحب ماءٌ قراح. به تعمر الحياة وتخضرّ، لا تشاركه إلا مع من يحتاجه ويعرف قيمته، لا تهدره على حبة رمل لا تحمل في قلبها أمنية بأن تُزهر، ولا على صخرة لا تأمل بأن يخرج العشب من شرايينها، ولا على بقعة تجازي الغيم بأغصان الشوك والحنظل، ولا على كثيّب من الرمل، الحب ماء ولكنه ليس ماء مطر، الحب ماء بئر، ماء المطر كريم جاهل لا يعطي حسب الحاجة وإنما حسب الحظ والنصيب،لا يفرّق بين مستحق وغير مستحق، ماء البئر كريم عاقل،يعطي المحتاج فقط وبقدر حاجته، ماء المطر به من الحماقة ما قد يجعله يميت من حيث أراد أن يحيي، ماء البئر به من الحلم ما يجعل القلوب تأمن شره وتطمئن إليه، ماء المطر تعيد الحياة دورته،فيُبعث حيّا كلما ووري تحت الثرى،ليبدأ عمرا آخر من جديد، والبئر لها عمر،مهما طال بها الزمن ستجف، أعمارنا هي آبارنا التي ستصبح خاوية من الماء بعد حين، فلنحرص على أن هذا الماء الغزير الذي تمتلىء به أعمارنا/آبارنا الآن لن يذهب في غير محله،حتى نضمن أننا بعد أن نجف لن نجلس في العراء،عرضة لهجير الصيف وبرد الشتاء، وذئاب الوحشة، وقطّاع الطرق، كل قطرة حب غالية جدا، كل قطرة حب يقابلها نداء احتياج لزهرة ما في مكان ما، كل قطرة حب يقابلها غصن سيثمر لولا ثيابه الصفراء، وعمر سيورق لولا زنزانة العطش، وقلب سيصبح موطنا «للقطا» لولا حصار الجفاف، لا تذهب مياه أعمارنا لغير مستحق،فذاك ظلم جائر لأنفسنا وظلم في ذات الوقت لمستحق قد لا نعرفه في مكان ما.. ولنحرص على معرفة قيمة حبنا عن طريق اختيارنا لمن يستحق ذلك الحب، فإذا كنا لا نعرف قيمة ما نُعطي،فليس مُلامٌ من يستقبل عطاءنا إذا جَهل!