رغم قساوة النتائج، وفي ظل سقوط العديد من الضحايا المدنيين، فإن الفائزين والخاسرين في النزاع ما بين إسرائيل وغزة، بدأوا في عملية إعادة تشكيل تحالفاتهم السياسية في الشرق الأوسط. وقبل إطلاق آخر صاروخٍ، وقبل إعلان وزيرة خارجية الولاياتالمتحدة، هيلاري كلينتون، الهدنة لوقف إطلاق النار، اتفق معظم المحللين على أن أحداث الأسبوع الماضي قد حوّلت مصالح الكثيرين في الشرق الأوسط. إعادة توجيه ذكية فقد قام الرئيس المصري محمد مرسي، بإعادة توجيه ذكية لما كان يمكن اعتباره حقل ألغامٍ من الاهتمامات المتعارضة. إذ أكد أحد الباحثين في الشرق الأوسط من مركز «وودرو ويلسون» للأبحاث، آرون ديفيد ميلر، أن مرسي «على الرغم من كونه رئيسًا مدنيًا، ولأن الجميع رأى أنه رئيس ضعيف، إلا أنه قام بمفاجأة الجميع». قدرة مرسي فقد أظهر مرسي بحسب «سي إن إن» قدرته على دفع حماس إلى طاولة المحادثات، وموافقة قيادة الحركة على التوصّل إلى هدنة لوقف النار، ونجاح هذه الصفقة، زاد من الدعم السياسي الذي تحتاجه مصر من العالم العربي ومن الولاياتالمتحدةالأمريكية. حماس خرجت قوية كما أن إسرائيل ورئيس وزرائها المتصلب، بنيامين نتنياهو، استفادوا من هذه الأزمة، فقبل شهرٍ من الانتخابات الإسرائيلية قامت حكومة نتنياهو بقتل القائد العسكري لحركة حماس، أحمد الجعبري، وقامت بشن العديد من عمليات القصف الجوي على قطاع غزة، ولكن الفوز الحقيقي لها تمثل في استعراض فعالية سلاحها «القبة الحديدية»، والمموّل لها من قبل الحكومة الأمريكية، حيث قام بصدّ العديد من صواريخ حماس التي استهدفت المواطنين الإسرائيليين. ولقد خرجت حماس بجرأة من النزاع والهدنة، ويوضح ميلر أن «حماس قد خرجت قويةً من هذا النزاع، وأثبتت سيطرتها المطلقة على قطاع غزة، بالإضافة إلى زيادة شرعيتها السياسية». وفي أعين الفلسطينيين، ينظرون إلى القادة العسكريين لغزة بأنهم توصّلوا إلى أجرأ وضعٍ لهم حتى الآن، إذ تمكّنت قوتهم من إطلاق صواريخ في أبعد مسافاتٍ لها حتى الآن، ويمكنهم التوصّل إلى حلٍّ للحصار الاقتصادي لقطاع غزة في حال التوصّل إلى اتفاقية أكثر شمولًا. عباس الخاسر ويشير ميلر إلى إنجازات حماس بأنها «قامت، وبعكس الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بإعادة طرح القضية الفلسطينية على الساحة العالمية». لقد خسر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والحركة التابعة له «فتح» الكثير خلال نزاع غزة، فقد كان من المفترض به أن يلعب دور صانع السلام وأن يحصل على اتفاقية لمصلحة إسرائيل، والآن لا يحق له التحدث باسم جميع الفلسطينيين، وقد تأكد تأثيره المعدوم على حماس، خصمه اللدود. إضعاف إيران وهناك إيران أيضًا، التي تنظر من الخارج إلى ما يحصل في الداخل، وتلعب دورًا فعّالًا خاصة مع حماس، فقد تم إضعاف قبضة إيران في المنطقة بعد الصراع الأخير، فقد قامت القبة الحديدية بإسقاط العديد من صواريخها في السماء. وعلى الرغم من أن إسرائيل اتهمت إيران مرارًا، في السابق، بتهريب الأسلحة لدعم حركة حماس عبر الحدود المصرية، إلا أن إيران صرّحت بقيامها بذلك بشكلٍ واضح، وذلك عندما أكد قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي الجعفري، خلال تصريحٍ لوكالة الأنباء الإيرانية «إيسنا» بأن «الحصار القائم على غزة، أعاق قدرتنا على مساعدتهم، ولم نشحن صواريخ فجر -5 من إيران، فقد تمّ نقل التكنولوجيا إلى هنالك، حيث يتم تصنيعها بشكل سريع». صواريخ إيران ويبقى السؤال المتمثل هنا: إذا قامت إسرائيل بمهاجمة إيران، فهل ستتمكّن حماس من الثأر لإيران باستعمال الصواريخ. أم أن هذه الصواريخ أثبتت عدم فعاليتها لمواجهة القبة الحديدية الإسرائيلية؟ ففي مجرد أيام، ومع عقد هدنة واحدة، تحوّلت علاقات العداوة والصداقة في الإقليم، وهذا سوف يؤثر بالتأكيد في أية محادثاتٍ مستقبلية للسلام.