تدفعنا نظرة المجتمع تجاه الشخص الذي يترك وظيفته للخوف من المستقبل بعد ترك العمل، فنهاب الجلوس على مقعد البطالة أو المخاطرة بفقدان الوظيفة وفشل التجارة، وبالتالي يسيطر علينا الخوف الذي يطرد السلام ويولِّد الضعف في جنبات النفس البشرية، فيصبح الفرد متردداً عاجزاً عن تحقيق ذاته وأحلامه، ويزداد الخوف عندما يربط الشخص بين نظرة المجتمع له إن ترك وظيفته وقيمته الاجتماعية، فقد يفقد جزءاً كبيراً من قيمته الاجتماعية، ومن هنا أرى أن الشجاعة تكمن في اتخاذ القرار ومواجهة المشكلات بمختلف أنواعها والتعامل معها، ليصبح شخصاً مستقلاًّ قادراً على اجتياز التحدّيات، فالشجاع يشعر دوماً بأن قيمته في ذاته لا في منزلته الوظيفية، لذا أقول لمن لديه الرغبة في العمل الحر :
العمل الحر هو التحرر والإبداع. أما الوظيفة فهي التقيد والعبودية العملية وأنها تسخير للإمكانات الفردية للغير. تحرر من الخوف وانطلق، فالخوف يدخل بالفرد إلى أرض الوهم ويعظم الصغائر، فقد قال الشاعر :ومن تهيّب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر لا تخف وتذكر دائما أنك لو تركت عملك الحالي في ضوء خطة قد انتهيت من تحديد معالمها بالطبع لدخول ميدان العمل الحر فإن الله سبحانه وتعالى هو القادر على أن يدبر لك أمورك وحياتك ومستقبلك، وكن مؤمناً بأنه إذا أغلق في وجهك باب رزق فتح ألف باب، ولابد أن ندرك أن العمل الحر هو التحرر والإبداع. أما الوظيفة فهي التقيد والعبودية العملية وأنها تسخير للإمكانات الفردية للغير، ولنا في حبيبنا (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة، فقد كان العمل الحر مما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام ، وكذلك صاحبه الصديق وطائفة من الأتقياء وعلى رأسهم سيدنا عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - التاجر المعروف الذي هاجر إلى المدينة تاركاً ماله في مكةالمكرمة، وعند وصوله للمدينة لم ينتظر معونة الآخرين ولم يبحث عن وظيفة، بل قال كلمته المشهورة : "دلوني على السوق" وعاد كما كان وأفضل، والعمل الحر تتجلى فيه معاني التوكل، والتاجر الصدوق الأمين في أرفع المنازل و" نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح". أختم بقصة لشاب تمت استضافته في أحد البرامج الإذاعية، يروي أنه تخرج في الجامعة ومن حسن حظه لم يجد وظيفة وكان لزاماً عليه إيجاد المال حتى يستطيع العيش علماً بأنه لا يملك أي مبلغ مادي، اتجه هذا الشاب إلى سوق الخضار بمبلغ ثلاثمائة ريال، ووقف خلف بضاعته التي اشتراها بالمبلغ حتى باعها بربح قدره مائة ريال، وهذه الحالة تمت خلال تسعين دقيقة فقط، يوماً بعد يوم اتسعت تجارته وفتح محلاً خاصاً به لبيع الخضار والفواكه بعد مرور أربعة أشهر منذ ذهابه للسوق، فجنى خلال عام أرباحاً تصل إلى مائة وعشرين ألف ريال، تنوع بعد ذلك العمل لديه ليشمل التمور في مواسمها المعروفة، ولم تكد تمر خمسة أعوام إلا وأقام مصنعاً متواضعاً للتمور، هذا الشاب واحد من مئات الشباب الذين نجحوا في مجال التجارة والعمل الحر وأنا على ثقة في أن بين موظفي القطاعات الحكومية والخاصة من هم أكثر كفاءة ونشاطاً، لكن لم يجدوا ذواتهم إلى الآن.