نوه سفير جمهورية كوريا الجنوبية لدى المملكة (جو بيونج ووك) بما تشهده علاقات بلاده مع المملكة من توسع في آفاق التعاون لتشمل عدداً من مجالات متنوعة بما فيها الطاقة المتجددة والطاقة النووية والبنية التحتية الذكية والصناعة العسكرية وتقنية المعلومات والاتصالات والرعاية الصحية. مؤكدا في حوار مع «اليوم»، أن توطيد علاقات التعاون الحاصل بين البلدين سيفضي إلى مستقبل مشرق. وأعرب عن سعادته لتزامن تعيينه سفيرا لبلاده لدى المملكة مع مسيرة تحقيق «رؤية المملكة 2030» وما تشهده المملكة من تغيرات، معربا عن الأمل في أن يزيد حجم الاستثمار الكوري للمملكة بعد توسيع فرص الاستثمار للشركات الأجنبية داخل المملكة. كيف تقيمون تجربتكم الدبلوماسية في المملكة منذ توليكم منصب السفير لجمهورية كوريا مايو الماضي؟ - إنه لمن دواعي سروري أن أباشر عملي كسفير لجمهورية كوريا لدى المملكة في الوقت الذي تشهد فيه تغيرات كبيرة في الاقتصاد والاجتماع في ظل رؤية 2030 برعاية ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وشعرتُ بأنه لدى كوريا والمملكة كثير من نقاط الالتقاء الثقافية، حيث يضع الشعبان الكوري والسعودي احترام العائلة والتقاليد في أولويات حياتهم. واجتمعتُ مع العديد من المسؤولين السعوديين والجالية الكورية منذ توليت منصب السفير الكوري في 10 مايو الماضي لتبادل الآراء حول تطوير العلاقات بين البلدين الصديقين. وبما أن البلدين يتسمان بالهيكلة الاقتصادية المتبادلة، فأعتقد أن كوريا والمملكة تملكان إمكانيات التعاون المحتملة حيث تعطي رؤية 2030 فرصة سانحة لتطوير العلاقات بين البلدين. وفي هذا الصدد، يشرفني أن أشاهد بعيني تغيرات مثل: قيادة المرأة، وإعادة فتح دور السينما، ومزيد من عروض الثقافة. وأثق في أن تلعب كوريا دورا مهما في تحقيق رؤية 2030 مع المملكة لأن كوريا والمملكة تتمتعان بالعلاقات التعاونية الطويلة وتجربة التنمية المتوافرة. »علاقات الشراكة المميزة كيف تقيمون العلاقات السعودية الكورية؟ - يصادف هذا العام الذكرى 56 على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين كوريا والمملكة في عام 1962. وأصبحت الدولتان شريكين تعاونيين أساسيين مع بعضهما، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 24.8 مليار دولار أمريكي في العام 2017، وتعد كوريا خامس أكبر شريك تجاري للمملكة وتعد المملكة تاسع أكبر شريك تجاري لكوريا. وفي الماضي، ارتكز التعاون بين البلدين على مجالات محددة مثل: الطاقة والبنية التحتية. ولكن الآن، تشهد علاقاتنا الثنائية الوطيدة توسعاً في آفاق التعاون لتشمل عدداً من المجالات المتنوعة بما فيها الرعاية الصحية والطاقة المتجددة والطاقة النووية والبنية التحتية الذكية والصناعة العسكرية وتقنية المعلومات والاتصالات. ويدل توطيد العلاقات التعاونية بين البلدين على المستقبل المشرق في العلاقات بين البلدين. ويذكر أن نحو 100 شركة كورية تشارك في المشروعات المتنوعة لتشمل مشروع مترو الرياض باستثمارات يبلغ حجمها نحو 4 مليارات دولار. وفي يقيني أن حجم الاستثمار هذا صغيرٌ بالنسبة لحجم التبادل التجاري بين البلدين. ولكن آمل في أن يزيد حجم الاستثمار الكوري للمملكة بعد توسيع فرص الاستثمار للشركات الأجنبية داخل المملكة في ظل تنفيذ رؤية 2030. الرؤية السعودية الكورية 2030.. ما النتائج المتوقعة منها على اقتصاد البلدين؟ - أعتقد أن رؤية 2030 تعطي فرصة جيدة لكوريا للارتقاء بمستوى التعاون بين البلدين. وكما ذكرتُ من قبل، تمتلك كوريا الجنوبية التكنولوجيا المتقدمة والخبرات المتوافرة، وبالإضافة إلى خبرة متراكمة في التعاون مع المملكة ولذلك أعتقد أن كوريا ستكون أفضل شريك للمملكة لتحقيق الرؤية 2030. وتأكيداً لذلك فقد انطلقت لجنة الرؤية 2030 الكورية السعودية في سيئول العاصمة الكورية في أكتوبر 2017م. كما أن البلدين وافقا على تنفيذ 39 مشروعاً تعاونياً في المجالات الخمسة التالية، وهي (1) التصنيع والطاقة (2) البنية التحتية الذكية والرقمية، (3) بناء القدرات (4) الرعاية الصحية والطب (5) المشاريع الصغيرة والمتوسطة والاستثمار. وأعتقد أن انطلاق اللجنة يمثل مغزى كبيراً في بناء الأساس المؤسسي للتعاون الاقتصادي بين البلدين على المستوى الوزاري. وفي هذه الأثناء يدور تشاور وثيق بين البلدين في كل القطاعات مرتكزا على الحفاظ وبلورة زخم الوفاق للبلدين. وآمل في أن يؤدي هذا التشاور إلى تحقيق النجاح في لجنة رؤية 2030 الكورية السعودية لدورتها الثانية. كيف ترون إقبال الشركات الكورية في ظل محفزات الانفتاح في الاقتصاد السعودي؟ - أعتقد أن هذه الخطوة هي عنصر إيجابي يشجع الشركات الكورية على الاستثمار في المملكة. لكن، أهم شيء لجذب استثمار الشركات الأجنبية هو تهيئة البيئة الصديقة للأعمال. وبالنسبة لاستثمار الشركات الكورية في المملكة، أعتقد أن أهم عنصر يدفع باستثماراتهم في المملكة هو تشجيع الشركات الكورية التي تعمل حالياً في المملكة. وإذا رضيت الشركات الكورية عن بيئة الأعمال بالمملكة ونجحت في إحراز الإنجازات فستنتشر هذه الأخبار الإيجابية إلى شركات أخرى داخل كوريا؛ مما يؤدي إلى مزيد من الاستثمارات الكورية في المملكة. وأعتقد أن تلك أفضل طريقة لجذب الاستثمار. ولهذا، آمل دعم الحكومة السعودية لحل المصاعب التي تواجهها الشركات الكورية في المملكة؛ لكي تسخر الشركات الكورية كل قدراتها في أداء أعمالها في المملكة. »مجالات التعاون ماذا عن التعاون في مجالات الطاقة بين البلدين؟ كان التعاون بين البلدين في مجال الطاقة يقتصر على استيراد النفط من المملكة ومشاركة كوريا في مشاريع البنية التحتية للطاقة. وأعتقد أن التعاون بين البلدين سيشهد طفرة كبيرة لآفاق أرحب من خلال مشاركة كوريا في تنفيذ سياسات تنويع مصادر الطاقة مثل: الطاقة المتجددة والطاقة النووية والتي تنفذها المملكة في ظل رؤية 2030. وبالأخص، إن البلدين يشاركان في تصميم مفاعل الوحدات الصغيرة المدمجة (سمارت) وبرامج تدريبية للتنمية البشرية المتخصصة في الطاقة النووية. وفي إطار ذلك، يشارك 48 مهندسا سعوديا متخصصا في الطاقة النووية في التدريب التعليمي في كوريا. وأتمنى أن يصل التعاون بين البلدين في الطاقة النووية إلى مشروع بناء المحطة النووية الكبرى التي تنفذها المملكة، حيث تعتبر كوريا الدولة الوحيدة التي نجحت في بناء محطة براكة النووية بدولة الإمارات العربية المتحدة في بيئة صحراوية مثل السعودية. وبالتالي أصبحت تمتلك الخبرات المتوافرة والتكنولوجيا المتقدمة في بناء المحطات النووية. ولذا أعتقد أن كوريا هي أفضل شريك للمملكة في بناء المحطات النووية. ماذا عن التعاون في مجالات التعليم بين البلدين؟ أرى أن التعاون الثنائي في مجال التعليم مهم جداً لتهيئة مستقبل واعد لبناء البلد. ويجري البلدان سنوياً برنامج التبادل للشباب منذ عام 2010 لتعزيز التفاهم بين الشباب الكوريين والسعوديين. ومنذ عام 2011، نال حوالي 700 مبتعث سعودي تعليما عاليا في كوريا، حيث درسوا الهندسة والعلوم والتكنولوجيا وغيرها من العلوم المتخصصة في الجامعات الكورية. وكنت قد اجتمعتُ في يوليو الماضي مع الطلاب المبتعثين السعوديين الذين عادوا إلى المملكة بعد دراستهم في كوريا واستمعتُ إلى اقتراحاتهم لتطوير العلاقات بين البلدين. وأتطلع إلى هذا النوع من الاجتماعات دوريا. وأما التعليم المهني، فهناك 65 طبيبا يدرسون في كوريا بالإضافة إلى 48 متخصصا في الطاقة النووية. وسنعمل على توسيع نطاق التعاون التعليمي في إطار التعاون لرؤية 2030. وذلك يعطينا فرصة لتنمية الموارد البشرية السعودية تلبية لمتطلبات السوق السعودية. وأثق بأن تبادل الشباب والتفاهم بين البلدين يصبحان حجر الأساس في تطوير العلاقات بين البلدين الصديقين. »مستقبل العلاقات ما رؤيتكم لمستقبل العلاقات بين المملكة وكوريا؟ كنت خلال اجتماعات مع المسؤولين السعوديين ورجال الأعمال الكوريين بعد تولي منصبي، أؤكد على شعار «صنع مع المملكة» بهدف التعاون الاقتصادي بين البلدين. وكان التعاون بين البلدين قد اقتصر على البناء والتشييد داخل المملكة وتنفيذ عقود في البنية التحتية وغيرها من التعاون قصير الأجل في الماضي. ولكني أتطلع الآن إلى تصميم الأعمال مع المملكة ومشاركتها في الإدارة والبيع ليكون التعاون مستداماً. وآمل في أن يصبح بناء حوض بحري في رأس الخير بتحالف مع شركة أرامكو السعودية وهيونداي الكورية نموذجا ناجحا ل«صنع مع المملكة» بمشاركة البلدين في التصميم والبناء والإدارة لبناء الحوض. وكذلك تعزيز التفاهم بين الشعبين من خلال تبادل الشباب والثقافة مهم جدا لمستقبل العلاقات المشرق بين البلدين. وسيفتتح معرض آثار كوريا تحت عنوان «تاريخ كوريا وثقافتها» في المتحف الوطني بالرياض في 27 ديسمبر المقبل. وكان المتحف الوطني بالعاصمة الكورية سيؤول قد استضاف معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية - روائع آثار المملكة عبر العصور» في العام الماضي. وآمل في أن يسهم المعرض في إيجاد فرصة لتعميق الصداقة بين الشعبين وإطلاع السعوديين على التقاليد الكورية وثقافتها الحديثة. أعتقد أن البلدين يقفان أمام مفترق طرق لإعداد المستقبل الواعد بناءً على الإنجازات الكبيرة التي حققتها الدولتان منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1962. وإنني واثق بأن الوقت مناسب لبناء العلاقات التعاونية الجديدة حيث تشهد المملكة إصلاحات اقتصادية واجتماعية في ظل رؤية 2030. وسأبذل قصارى جهدي كسفير لكوريا لتطوير العلاقات التعاونية المتبادلة من خلال توسيع التعاون والتبادل بين البلدين اللذَيْن يتمتعان بشراكة إستراتيجية في التعاون لتحقيق رؤية 2030 ولكونهما عضوين في مجموعة العشرين.