أكد اقتصاديون ل«الجزيرة» أن أجواء قمة العشرين بدت ودية وأكثر تفاؤلاً؛ استناداً إلى التصريحات الصحفية التي أطلقها القادة بإشارات مطمئنة تمهد الطريق لوضع الحلول أمام التحديات العالمية ومنها الأمن الاقتصادي، والممرات المائية، وحرية التجارة العالمية، وفتح آفاق مهمة نحو المزيد من الشراكات الاقتصادية والعمل المشترك بما فيها أمن الخليج. وقال الكاتب والمحلل الاقتصادي عبدالرحمن بن أحمد الجبيري: إن المملكة لها دور كبير في هذه القمة والإعداد للقمة المقبلة في نوفمبر 2020م وما تمثله من ثقل اقتصادي أسهم في تحقيق قفزات نوعية في المؤشرات الاقتصادية المهمة ومنها تحقيق المركز الثاني الأكبر في الصناديق السيادية الاستثمارية، كما حققت المملكة المركز الثالث في المجموعة في الاحتياطات الأجنبية إضافة إلى المركز الأول في تمكين المرأة.. وفي هذه المؤشرات وغيرها دلالة كبيرة على الإنجازات المتلاحقة والتي تركت أثراً كبيراً كرقم مهم في الاقتصاد العالمي. وحول الاقتصاد الرقمي الذي طرح في القمة قال الجبيري: الاقتصاد الرقمي اليوم أحدث تغيرات جوهرية في أنماط الحياة بمختلف مجالاتها، سواء على المستوى الفردي أو الأسري أو على مستوى المجتمعات والأداء الاقتصادي، حيث باتت كل الأنشطة الاقتصادية وتنفيذها مرتبطة به، لذلك يقوم على أن جميع عملياته تعتمد على المعلومات والتكنولوجيا وإلغاء كافة الحواجز أمام تدفق المعلومات والسلع والخدمات ورؤوس الأموال إلى أيّ مكان في العالم، ويتكون الاقتصاد الرقمي من محورين مهمين: الأعمال الإلكترونية والتجارة الإلكترونية ويفرق عن الاقتصاد التقليدي في الحركة المستمرة للأسواق على مدار الساعة، والمنافسة العالمية، وعملياته الإنتاجية أكثر مرونة ودقة وسرعة وتنظيماًَ، والجودة فيه عالية، كما أن العلاقات من خلاله مستمرة وأفقية.. فلذلك تلعب التكنولوجيا اليوم دوراً إستراتيجياً في زيادة معدل النمو الاقتصادي. ولفت الجبيري إلى أن المملكة حققت إنجازات متسارعة في هذا الاتجاه والذي يعد أحد أهم المرتكزات الاقتصادية المستقبلية في المملكة حيث وصل معدل انتشار الإنترنت بالمملكة إلى 76 %، ومن المتوقع أن يصل إلى 91.5 % بحلول عام 2020م، كما أن حجم هذه السوق تجاوزت 12 مليار دولار عام 2018م ووصل عدد المستخدمين للإنترنت في المملكة إلى 29 مليون مستخدم. وعن تدشين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله- خلال زيارته إلى كوريا الجنوبية لتوسعة مصفاة إس اويل بتكلفة ستة مليارات دولار أمريكي في كوريا الجنوبية والذي سيسهم في تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد السعودي، قال الجبيري: زيارة سمو ولي العهد -حفظه الله- لكوريا الجنوبية هي امتداد لعمق العلاقة المتينة والتاريخية بين بين البلدين والتي تمتد لأكثر من 55 عاماً من التماسك والتكامل الاقتصادي انعكست على أرض الواقع بالعديد من الاتفاقيات والشراكات في مختلف المجالات وهو ما توج تلك الجهود والشراكة الإستراتيجية بدعم ومتابعة سموه الكريم، من خلال النقلة النوعية في تلك العلاقة في أكتوبر من العام 2017م حيث وقعت المملكة العربية السعودية مُمثلة بوزارة الاقتصاد والتخطيط وجمهورية كوريا مُمثلة بوزارة التجارة والصناعة والطاقة مذكرة تعاون الرؤية المشتركة (الرؤية السعودية الكورية 2030) لتكون العجلة التنفيذية لقيادة هذه الشراكة الإستراتيجية، وترتكز هذه الرؤية على تعزيز تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال تعزيز الروابط التجارية بين القطاع الخاص في البلدين وزيادة برامج التعاون بين الحكومتين، وتوسيع نطاق التعاون المشترك بين البلدين إلى بلدان أخرى. وأردف الجبيري، وفقاً لهذه الرؤية المشتركة فإن المشروعات الاقتصادية والتجارية بين المملكة وكوريا تشمل خمسة قطاعات رئيسة هي «الطاقة والتصنيع» و»البنية التحتية الذكية والرقمنة» و»بناء القدرات» و»الرعاية الصحية وعلوم الحياة» و»الاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة».. لافتاً إلى وجود 43 مشروعاً مشتركاً حالياً بين البلدين، منها الشراكة بين شركتي هيونداي للصناعات الثقيلة وأرامكو في تأسيس شركة الصناعات البحرية الدولية في عام 2017م، حيث سيدير المشروع المشترك أول حوض بناء سفن في المملكة، ومن المتوقع أن يوفر 80 ألف فرصة عمل بمجرد الانتهاء منه. وحول التبادل التجاري بين البلدين، قال الجبيري: وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء؛ فقد ارتفع حجم التبادل التجاري من 34 مليار ريال في عام 2016م إلى أكثر من 54 مليار ريال في عام 2017م، في حين تصدرت المنتجات المعدنية قائمة السلع المصدرة إلى كوريا الجنوبية.. تلتها المنتجات الكيماوية العضوية فالنحاس ومصنوعاته والحديد، وفي المقابل تصدرت السيارات والأجهزة الكهربائية واردات المملكة من كوريا، وعليه فقد وصل حجم التبادل التجاري بين المملكة وكوريا الجنوبية تجاوز أكثر من 78 % خلال السنوات الثلاثة الماضية. وأضاف الجبيري: تدشين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- خلال زيارته إلى كوريا الجنوبية توسعة مصفاة إس اويل بتكلفة ستة مليار دولار أمريكي سيسهم في تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد السعودي مما يعزز من مكونات الاقتصاد الكلي وتنوعه وخلق مقومات جديدة نحو السوق النفطي العالمي حيث تبلغ طاقتها الإنتاجية 670 ألف برميل يومياً تغطي طلب 30 دولة كأحد أهم المشروعات الاستثمارية. وتابع الجبيري؛ توقيع شركة أرامكو السعودية 12 اتفاقية مع أكبر الشركات الكورية سيمهد الطريق نحو فتح آفاقاً جديدة ذلك لأن تلك الاتفاقيات نوعية وتستهدف رفع معدلات النمو في الناتج الإجمالي، كما أنها تتجه إلى تحقيق المزيد من التنوع في قاعدة الاقتصاد والتوجه نحو الاقتصاد الإنتاجي والمعرفي ولذلك فإن من ضمن تلك الاتفاقيات مجالات حيوية مثل طاقة الهيدروجين والبتروكيماويات والصناعات الثقيلة. وأضاف: إن العوائد المالية المتوقعة من تلك الاتفاقيات التي شملت صناعة المحركات والتكرير والبتروكيماويات وإمدادات النفط والمبيعات والتخزين تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات، إضافة إلى المشروعات السابقة والتي تتجاوز ال 40 مشروعاً في مختلف المجالات. وقال الاقتصادي فهد الثنيان: أغلب دول مجموعة العشرين من الدول التي استثمرت في العنصر البشري أساس أيّ تنمية حضارية نراها اليوم؛ والمملكة تؤمن بذلك إيماناً كبيراً تؤكده تصاريح سمو ولي العهد وبرامج رؤية المملكة 2030 التي تدور حول تطوير المورد البشري الذي تقوم على تطويره استدامة التنمية الاقتصادية لأيّ مجتمع كان؛ وبالتالي فإن تواجد المملكة في هذه المجموعة والتقارب والعمل مع أعضائها يحمل الكثير من الفرص للمملكة على كافة المستويات وفي مختلف المجالات. وأضاف الثنيان: سيساعد العمل الجاد داخلياً في متابعة إنجاز الخطط والبرامج من خلال مؤشرات أداء واضحة ودقيقة على إيجاد طريق للمملكة يمكنها من التقدم بثبات ضمن دول المجموعة؛ ولذا فإن المملكة قادرة على تحقيق النمو المستدام كلما ركزت على محور التنمية وهو المواطن، وكلما تم استخدام مؤشرات الأداء التي تقيس نجاحها في هذا الشأن وهذه الإستراتيجية هي السر الذي لا يخفى على سمو ولي العهد -حفظه الله-. من جانبه بين الدكتور عبدالله بن أحمد المغلوث عضو الجمعية السعودية للاقتصاد أهمية زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله- إلى جمهورية كوريا الجنوبية لما تشهده العلاقات بين البلدين من توسع في آفاق التعاون لتشمل عدداً من مجالات متنوعة بما فيها الطاقة المتجددة، والطاقة النووية، والبنية التحتية الذكية، والصناعة العسكرية، وتقنية المعلومات والاتصالات، والرعاية الصحية.. ويأتي ذلك مع مسيرة تحقيق «رؤية المملكة 2030» وما تشهده المملكة من تغيرات، وتأتي هذه الزيارة من أجل توسيع التعاون الثنائي بين البلدين، لتدون خارطة اقتصادية أساسها رؤية واضحة «رؤية المملكة 2030»، والتي تعد أحد العوامل الاقتصادية التي تطمح لها كوريا الجنوبية لتكون شريكة في هذه الرؤية، حيث استضافت وفد المملكة المشارك في منتدى أعمال الرؤية السعودية - الكورية الجنوبية 2030 في العاصمة سيئول عام 2017م، بحضور أكثر من 110 شركات من الجانبين، وعدد من المسؤولين الحكوميين في البلدين، لتكشف عن 40 مبادرة.. تسعى الدولتان لتحقيقها بمشاركة فعّالة من القطاع الخاص، وأوضح حينها وزير التجارة والصناعة والطاقة رئيس الجانب الكوري الجنوبي في اللقاء «سونج يون» أن التعاون السعودي - الكوري الجنوبي ل «رؤية 2030» سيوفر فرصاً متكافئة للإسراع بالتنوع الصناعي في المملكة من خلال تبادل التكنولوجيا الكورية والخبرة وتوفير فرص عمل جديدة للبلدين، وكما قال سفير جمهورية كوريا الجنوبية لدى المملكة «جو بيونج ووك» في تصريحات صحافية 2018م بأن رؤية المملكة 2030 تعطي فرصة جيدة لكوريا الجنوبية للارتقاء بمستوى التعاون بين البلدين، حيث تملك كوريا التكنولوجيا المتقدمة والخبرات المتوافرة، بالإضافة إلى خبرة متراكمة في التعاون مع المملكة، ولذلك أعتقد أن كوريا ستكون أفضل شريك للمملكة لتحقيق الرؤية 2030. وقال الدكتور المغلوث: العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية كوريا الجنوبية بدأت في العام 1962م، وأصبحت الدولتان شريكين تعاونيين أساسيين مع بعضهما، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 24.8 مليار دولار أمريكي في عام 2017م، وتعد كوريا الجنوبية خامس أكبر شريك تجاري للمملكة وتعد المملكة تاسع أكبر شريك تجاري لكوريا، وفي الماضي، وارتكز التعاون بين البلدين في الماضي على مجالات محددة مثل: الطاقة والبنية التحتية؛ ولكن الآن تشهد العلاقات الثنائية الوطيدة توسعاً في آفاق التعاون لتشمل عدداً من المجالات المتنوعة بما فيها الرعاية الصحية والطاقة المتجددة والطاقة النووية والبنية التحتية الذكية والصناعة العسكرية وتقنية المعلومات والاتصالات.. ويدل توطيد العلاقات التعاونية بين البلدين على المستقبل المشرق في العلاقات بين البلدين. وبيّن الدكتور المغلوث، أن نحو 100 شركة كورية تشارك في المشروعات المتنوعة لتشمل مشروع مترو الرياض باستثمارات يبلغ حجمها نحو 4 مليارات دولار أمريكي، وتمتلك كوريا الجنوبية التكنولوجيا المتقدمة والخبرات المتوافرة، وقد انطلقت لجنة الرؤية الكورية السعودية 2030 في سيئول في أكتوبر 2017م، كما أن البلدين وافقا على تنفيذ 39 مشروعاً تعاونياً في المجالات الخمسة التالية (1) التصنيع والطاقة، (2) البنية التحتية الذكية والرقمية، (3) بناء القدرات، (4) الرعاية الصحية والطب، (5) المشروعات الصغيرة والمتوسطة والاستثمار. وأردف الدكتور المغلوث: إن البلدين يشاركان في تصميم مفاعل الوحدات الصغيرة المدمجة (سمارت) وبرامج تدريبية للتنمية البشرية المتخصصة في الطاقة النووية.. وفي إطار ذلك، يشارك 48 مهندساً سعودياً متخصصاً في الطاقة النووية في التدريب التعليمي في كوريا. وتعتبر كوريا الدولة الوحيدة التي نجحت في بناء محطة براكة النووية بدولة الإمارات العربية المتحدة في بيئة صحراوية مثل السعودية، وبالتالي أصبحت تمتلك الخبرات المتوافرة والتكنولوجيا المتقدمة في بناء المحطات النووية، ولذا أعتقد أن كوريا هي أفضل شريك للمملكة في بناء المحطات النووية. وعن التعاون الثنائي في مجال التعليم قال الدكتور المغلوث: يجري البلدان سنوياً برنامج التبادل للشباب منذ عام 2010م لتعزيز التفاهم بين الشباب الكوريين والسعوديين، ومنذ عام 2011م نال حوالي 700 مبتعث سعودي تعليماً عالياً في كوريا، حيث درسوا الهندسة والعلوم والتكنولوجيا وغيرها من العلوم المتخصصة في الجامعات الكورية.. وأما التعليم المهني، فهناك 65 طبيباً يدرسون في كوريا بالإضافة إلى 48 متخصصاً في الطاقة النووية، والبلدان يقفان أمام مفترق طرق لإعداد المستقبل الواعد بناءً على الإنجازات الكبيرة التي حققتها الدولتان منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1962م، وحان الوقت المناسب لبناء العلاقات التعاونية الجديدة، حيث تشهد المملكة إصلاحات اقتصادية واجتماعية في ظل رؤية 2030، لتطوير العلاقات التعاونية المتبادلة من خلال توسيع التعاون والتبادل بين البلدين اللذَيْن يتمتعان بشراكة إستراتيجية في التعاون لتحقيق رؤية 2030 ولكونهما عضوين في مجموعة العشرين.