جاءني سؤال عن طريق توتير حول تعسر الكتابة ووجود صعوبة في بعض الأحيان في استخراج الكلمات من الرأس إلى الورق، وتلك تسمى «حبسة الكاتب»، وأود أن أشكر السائل حيث أوحى لي بفكرة كتابة المقال! من المعروف أن التغريدات على توتير لا تعطيك مساحة كافية للشرح والإطناب، ولذلك وجدتها فرصة أن أكتب عن الموضوع في مقال مستقل مع قليل من التفاصيل لعلي أستفيد وأفيد. وهذه مشاركة ببعض النقاط والملاحظات من خلال خبرتي البسيطة في هذا المجال. أولا: لا تستعجل على نفسك وتجهدها بالتفكير، فسوف تأتي الخاطرة والفكرة مع الوقت وهذا أمر طبيعي في الكتابة. ويذكر عن الفرزدق أنه قال: تأتي علي أيام لخلع ضرسي أهون علي من قول بيت شعر واحد، ولذلك إذا جاءته تلك الحالة خرج إلى الصحراء يستلهم منها الفكرة والإحساس لتعود له قريحته الشعرية. وأما جرير إذا جاءته حبسة الشعر نام فوق سطح البيت، وجعل يتأمل السماء والنجوم ليلا حتى تفيض قريحته الشعرية مرة أخرى. ولذلك لعل الخروج إلى الأماكن الطبيعية الهادئة أو التي تهوى نفسك تُخرج لك أفكارا خلاقة. ثانيا: المخزون الأساسي والمهم جدا للكتابة (حتى مع وجود الموهبة) هو القراءة ثم القراءة ثم القراءة. والقراءة لا بد فيها من الصبر والجدولة حتى تصبح عادة متأصلة لا تنفك عنك مدى الحياة، فإن القراءة حياة وهيام. ثالثا: اكتب الفكرة حين تأتي مباشرة، فقد استيقظ البخاري -رحمه الله- عشرين مرة في الليلة الواحدة من أجل تقييد الخاطرة والملاحظة. وكان الشيخ الأديب علي الطنطاوي -رحمه الله- يقول: كنت دائما أضع ورقة وقلما بجانب السرير، وربما أزعجت زوجتي من كثرة إضاءة وإطفاء المصباح من أجل الكتابة. ومن تجربتي المتواضعة في الكتابة، فكم من مرة ضاعت على سِنة نوم (بكسر السين، ومعناها: ابتدأ النعاس) والغفوة القصيرة الصحية التي أعشقها كثيرا من أجل كتابة مقال!!، وربما تأخر نومي ليلا خوفا أن تضيع مني الأفكار والكلمات. وكم من مرة ندمت على التأخير في الكتابة بعد أن طارت الكلمات والأفكار ولم تعد (فواحسرتاه)!. وصدق من قال: الفكرة صيد والكتابة قيد (و جزء من هذا المقال كتبته مباشرة في السيارة وليس أثناء القيادة!! فقد أوقفت السيارة على جانب الطريق طبعا). رابعا: هناك من يحمل هم المراجعة أكثر من الفكرة نفسها وهذا عائق بحد ذاته، والصحيح أن المراجعة للكتابة مهمة ولكنها ستأتي في مرحلة متأخرة. خامسا: في البداية اكتب فيما تحب وما تميل إليه من المواضيع، ولا تحاول أن تقحم نفسك في مواضيع مشهورة على الساحة أو قضايا صعبة الطرق والشرح. وكذلك سوف تجد في البدايات صعوبة في شرح فكرة أو قضية مطروحة عليك من البعض. سادسا: الصبر وتكرار المحاولة وعدم اليأس وجعل الأمل والهدف أمام ناظريك. وقد قرأت مرة (وهذه من فوائد القراءة) أن الفائز بجائزة نوبل للأدب إرنست همنجواي عن رواية «العجوز والبحر» أعاد كتابة الصياغة والنهاية للرواية ما يقارب من 30 مرة! وختاما، لا تنسَ الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، فالمسألة توفيق من الله بعد بذل الأسباب. وفي المقابل إذا تعسر الأمر عليك كثيرا، فقد تكون موهبتك في شيء آخر أنت لم تكتشفه بعد!!، فحاول البحث مرة تلو الأخرى في مكنون نفسك، فأنت أعلم الناس بها، وتذكر دائما «كل ميسر لما خلق له».