بعد صدور الأمر السامي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة في المملكة، ربط البنك الدولي هذه الخطوة بالجهود التي تبذلها دول التعاون من أجل التمكين الاقتصادي للمرأة، وأشار إلى تصريحات سفير المملكة لدى الأممالمتحدة صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان في تعليقه على الأمر السامي بأنه ليس تغيرًا اجتماعيًا، بل جزء من الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم المملكة بتنفيذها. ومن دون شك، الأمر السامي هو خطوة هامة باتجاه تمكين المرأة اجتماعيا واقتصاديا، ويمثل اسهاما في استكمال حلقات هذا التمكين بموازاة خطوات أخرى كثيرة تم اتخاذها، مما يعني استنهاض إنتاجية عنصر يمثل نصف المجتمع الخليجي. لقد تبنت دول مجلس التعاون الخليجي، ومن بينها المملكة العربية السعودية، رؤى جديدة تشجع تنوع النشاط الاقتصادي والمضي نحو الاقتصاد المبني على المعرفة. وتمكين المرأة اقتصاديا هو موضوع مشترك في كل هذه الرؤى. وعلاوة على ذلك، وعلى مدى العقد الماضي، تبنت السعودية قوانين وسياسات شتى تهدف بشكل خاص إلى تشجيع إدماج المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. على سبيل المثال، أتاح قرار السماح للمرأة بالعمل في المزيد من مجالات الاقتصاد الخاص، التي تشمل قطاع التجزئة، لعدد كبير من السعوديات الانضمام إلى الأيدي العاملة. وكانت لخطوات أخرى اتخذت مؤخرا لرفع القيود آثار رمزية وعملية على قدرة المرأة على المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالسعودية. وتتراوح مثل هذه الخطوات من فتح أول حرم جامعي مختلط بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا عام 2009، إلى الخطوات الأخيرة التي أمر بها الملك سلمان بمراجعة القوانين التي مازالت تعوق الكثير من النساء عن العمل والسفر والخضوع لإجراءات طبية والذهاب إلى الجامعة بدون إذن وليها والسماح لها بقيادة السيارة. وقد أظهرت الدراسات أن المنطقة تفقد المزيد من إمكانياتها بسبب تدني مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي فيها عن مناطق أخرى من العالم. وقلما أحدثت الاستثمارات الضخمة التي ضختها دول مجلس التعاون الخليجي في التعليم خلال العقود الأخيرة أثرا يذكر في هذا المجال. وتواجه المرأة في المنطقة عددا من مسؤوليات الرعاية الأسرية فضلا عن القيود في الحركة والزمن التي تثنيها عن البحث عن عمل. كما يتدنى تمثيلها في الهيئات المعنية بوضع السياسات التي يمكن أن تؤثر في سياسات التوظيف. بيد أن البيانات محدودة والفهم قاصر بشأن حلول السياسات التي يمكن أن تسهل -أو تحفز- المزيد من النساء على الالتحاق بالأيدي العاملة. وكثيرا ما تفضل النساء، حتى أكثر من الرجال في دول مجلس التعاون الخليجي، العمل في القطاع العام (على سبيل المثال في مجالات التعليم والصحة) الأكثر قبولا من الناحية الاجتماعية. ورغم المهارات الكبيرة ورأس المال البشري الذي تتمتع به المرأة، ما زالت هناك عقبات كبيرة أمام الترقي المهني والوظيفي للمرأة. وتفضل المرأة في العادة التقاعد في سن مبكرة عن الرجل (أيضا بسبب المحفزات المثبطة في نظام التقاعد)، مما ينهي عمليا ارتقاءها المهني ويتسبب في تبديد رأس المال البشري مبكرا بمجرد خروجها من سوق العمل. ولا شك ان تمكين المرأة الخليجية اقتصاديا هو السبيل الأكثر فاعلية لتعظيم الاستفادة من الاستثمارات الضخمة التي تم استثمارها في تعليم المرأة، حيث يلاحظ البنك الدولي ان الاستثمارات في التعليم لم تُترجم إلى تحسن في معدلات التوظيف. وهذه «المفارقة بين التعليم والتوظيف»، مثلما يسميها الخبراء، تبدد الموارد وتبطئ النمو الاقتصادي. ويبدو أن المرأة غير قادرة على المنافسة على قدم المساواة مع الرجل. ولهذا السبب تحديدا تعكف الحكومات الخليجية على البحث عن سبل لزيادة تمكين النساء اقتصاديا ومشاركتهن في بلدانهن المعنية. والسعودية والإمارات، وهما اثنتان من دول المجلس، من أكبر المانحين وأولهم في دعم مبادرة تمويل سيدات الأعمال، وهي برنامج تمويلي متعدد الأطراف يحتضنه البنك الدولي ويرمي إلى زيادة دمج المرأة في الأيدي العاملة بالبلدان النامية من خلال تعزيز أنشطتها في مجال ريادة الأعمال. ويلاحظ التقرير ان توفير الوظائف في القطاع الخاص بدول المجلس كان محدودا لدرجة لا تستوعب العدد الكبير والمتزايد للشابات اللائي يرغبن في العمل. ويشكل تحسين فرص ريادة الأعمال بإزالة الحواجز القائمة على نوع الجنس التي تعوق تأسيس المشاريع والشركات عنصرا أساسيا، وذلك حسبما يوثقه تقرير البنك الدولي عن ممارسة أنشطة الأعمال الأخير. لذلك، فان الاستثمار في رائدات الأعمال له فوائد جمة؛ فهو يعود بالنفع على الأسر، وعلى المجتمعات على المستويين المحلي والوطني، وعلى الاقتصاد ككل. لذلك يدعو البنك الدولي الحكومات الخليجية لتطبيق نهج عملي لدعم الرؤى الاقتصادية والأهداف بعيدة المدى لزيادة مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، وذلك من خلال؛ أولا تحصيل المعرفة القائمة على شواهد وأدلة من خلال التجريب والتقييم لتحديد العوامل التي نجحت والتي لم تنجح في السعي إلى مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي. وثانيا وضع حلول ذكية تحد من قيود التوظيف أمام الساعين للعمل لأول مرة، خاصة الشابات. وثالثا دعم سياسات التيسير على الأسر في أطر مؤسسية وتنظيمية تيسر العمل للنساء الراغبات في العمل. وأخيرا تعزيز قيادة المرأة وتطويرها مهنيا في القطاعين العام والخاص. كما يدعو البنك للتركيز على التعليم المبكر. كلما كان التدخل مبكرا في تعليم الفتيات، كان الشباب أكثر وعيا بإمكانية السعي إلى بناء مسيرة مهنية. علاوة على الشراكة مع القطاع الخاص لكي يدرج في برامجه التدريبية معايير الشركات في قياس وتتبع خطط التطوير المهني للمواطنين العاملين.