هذه الرسالة موجهة في المقام الأول إلى التجار ورجال الأعمال في بلدنا الحبيب خاصة والعالم العربي عامة. وأبدأها متيمنا بالحديث النبوي (الذي له شواهد): «ربح البيع أبا يحيى». وهي رسالة تحمل في طياتها تضامنا وتكافلا اجتماعيا في وقت الشدائد الاقتصادية، حيث تظهر روح المشاركة للوطن والمجتمع لنشعر جميعا أننا جسد واحد متعاون ومتقارب. ولعلي أساهم ببعض اللمحات لعلها تثير حفيظة البعض ليتفاعل إيجابيا مع هذه المسألة. وودت أن نتذاكر معكم في هذا الجانب الحديث الشريف المفعم بروح الإنسانية حيث جاء فيه: «كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه». ونحن لا نقول ها هنا للتجار والمستثمرين تجاوزوا أو بيعوا برأس المال!! بل ندعو إلى مراعاة الظروف الاقتصادية الحالية والخانقة. بمعنى أن يكون هناك تعاون لخفض النسب الربحية المتعالية للسلع الاستهلاكية والأساسية والمواد الغذائية. إن التجارة لها وجهان الأول هو في الدنيا، وهو وجه براق من الخارج، وأما الثاني فهو تجارة الآخرة حيث إنها هي الألذ والأفضل والأدوم، والكيس الفطن من نالهما معا. ولعل من مراعاة الوضع الاقتصادي الحالي الوقوف مع القطاع العام والمجتمع في الازمات الاقتصادية، وتخفيف الضغط على القطاع العام ،علينا أن نتذكر أن هذه المبادرات هي كالإرث والسمعة التي يتركها الإنسان بعد رحيله حيث تبقى الذكرى خالدة في نفوس البشر يتحدثون عنها جيلا بعد آخر. ويكفي في ذلك أيضا الدعوات القلبية الخالصة من الناس والتي هي مغنم يصعب على أي أحد الحصول عليه بسهولة. ومن النقاط المهم تذكر أيضا أن القطاع العام يتجه وبحسب رؤية 2030 نحو الاعتماد أكثر على القطاع الخاص لتحفيزه في مجالات مختلفة، وهنا يبرز دور التعاون الجاد بحمل جزء من العبء الثقيل من على كاهل القطاع العام. ومنها أن مثل هذه المبادرات (بخفض الأسعار) يشبه حجر الدمينو إذا بدأت بها مجموعة من التجار سوف يلحق البقية من أجل التنافس وخلق سوق مناسب للجميع، وبأسعار تنافسية مقبولة. ومنها أيضا أن المبادرين الأوائل سيصبحون مثالا يحتذى بهم. ومنها الفوز ببركة المال، وقد سمعت قصة جميلة لا تخلو من الطرافة والفائدة من أحد المحاضرين في إحدى الدورات التي حضرتها. حيث ذكر أن أحد التجار كان مشهورا عنه البذل والعطاء في وجوه الخير. وفي إحدى المرات وعلى غير عادته بدا عليه الغضب حين طلبوا منه مساعدة مالية، وقال حينئذ: كل يوم تأتون وتطلبون مني أموالا، خلاص أنا تعبت؟!. فاستغرب الحضور من كلامه حيث عُرف عنه الحلم والجود، ثم تبسم التاجر وقال: يا إخوان أنا تعبت (مازحا) فكلما أعطيكم ألفا الله يرزقني عشرة آلاف، وإذا اعطيتكم مائة ألف الله يعوضني بمليون!!. الشاهد ليس البذل المجاني ولكن تفهم الأوضاع والأوجاع المالية لعموم الناس بحيث تكون العودة إلى الأسعار السابقة المعقولة تدريجيا. ومن زاوية أخرى فإن المال لن يذهب بعيدا! لأنه سيعود في دورته إلى رأس الهرم، فالمواطنون والمقيمون لن يتوقفوا عن شراء السلع، بل كلما انخفضت الأسعار زادت كمية الشراء. ويدل على ذلك الزحام الشديد الذي يحصل عند الإعلان عن التخفيضات حيث ترى جموع الناس تتهافت وتزحف للشراء سواء لحاجة أو لغير حاجة. وأغلب الذين يقومون بذلك هم من الطبقة الوسطى وما دونها، وهاتان الشريحتان تمثلان النسبة الأكبر من المجتمع. ولعل من المبادرات في هذا الشأن والتي سوف تلقى بلا شك استحسانا من قبل الجميع، وسيكون مفهوم التعاون فيها جليا وواضحا هو تطبيق فكرة الجمعيات التعاونية في الأحياء السكنية. قد يكون الانطلاق لخفض الأسعار من قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» وهو مبدأ متوازن للجميع، ولكن المستغرب وغير المنطقي أن تطير الأسعار وقت الازدهار محلقة عالية كالصاروخ صعودا ثم تبقى كذلك أبدا. إن ذلك يعد مخالفا للقوانين الاقتصادية الطبيعية حيث الصعود والنزول، والعرض والطلب. بل هو أيضا مخالف لأبسط الأمثال التي حفظناها منذ الصغر حيث قيل: ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع. والسؤال المهم والمُلح الآن هل الأسعار سوف تقع أو لا تقع؟!.