كشف مصدر مسؤول بوزارة التجارة والصناعة عن ورود معلومات تؤكد أن إدراج بعض المراكز التجارية ضمن وحدات احتساب أوزان مؤشر السوق هو ما يقف وراء ارتفاع أسعار السلع الغذائية، مشيرا إلى أن هذا التوجه دفع ببعض المحلات الأصغر حجما مثل ال«السوبر ماركت، والميني ماركت، والبقالات الصغيرة» إلى مسايرة أسعار تلك المراكز. وأوضح مندوبو مبيعات مع أسواق مختلفة أن هناك مراكز تجارية كبيرة تقوم بأخذ أموال ضخمة من موردي البضائع مقابل عرض الأصناف بمراكزهم، مؤكدين أنه كلما كان الموقع قريبا من البوابة أو الكاشيرات ارتفع السعر. وبين عدد من المتعاملين أن هناك صيدليات شهيرة عمدت مؤخرا إلى انتهاج نفس الطريقة التي مارستها المراكز التجارية الكبرى، من أجل الموافقة على دخول الأدوية إلى الصيدليات، وبخاصة الأكثر استهلاكا من قبل المستفيدين منها، الأمر الذي قد يؤدي خلال وقت قريب إلى ارتفاع أسعار العديد من الأدوية بعد أن ارتفع بعضها الآخر.. واعتبر اقتصاديون، ومستوردون، وتجار أن مسألة ارتفاع أسعار السلع في السوق المحلية بما يفوق المستويات السعرية الحقيقية لقيمة الاستيراد بل إن مستوردين فوجئوا بأن بضائعهم التي يستوردونها بقيمة منخفضة؛ يجدونها تباع في الأسواق للمستهلكين بنسبة تصل في بعض الأحيان إلى 300 في المائة، الأمر الذي اعتبروه مكاسب متخطية لحدود المعقول، وقد تصل إلى حد استنزاف القوة الشرائية المختلفة بحسب وصفهم. يأتي هذا في الوقت لذي يتساءل فيه الجميع عن التعاون المشترك الذي كان وشيكا بين مصلحة الجمارك ووزارة التجارة والصناعة من أجل رصد أسعار السلع المستوردة، ومقارنتها بواقع أسعار السوق المحلية لمعرفة معدلات الزيادة التي تحدث في السوق المحلية. وحول مسألة ما تفعله مراكز تجارية وصيدليات؛ كشف عضو اللجنة التجارية الوطنية التابعة لمجلس الغرف السعودية الدكتور واصف كابلي عن حقيقة التفاصيل، وقال: «لم يكن هذا الوضع عندنا من قبل، وبدأت الأمور تقريبا من مدينة دبي عندما عمدت مراكز تجارية كبرى هناك إلى فرض ما يشبه الضريبة على موردي البضائع الاستهلاكية، مشترطة عليهم دفع مبالغ مالية مقابل إدخال البضائع بداخل المحل وعرضها». وأضاف: «هذه الخطوة جاءت لأنه كان هناك فوارق في الأسعار الجمركية، حيث كانت الأسعار أقل في الأسواق المجاورة مما نتج عنه تباين كبير في الأسعار الأمر الذي جعل تلك المراكز تتخذ مثل هذه الخطوة لتكون الأسعار في مستوى متقارب مع ما هو متوفر في أسواق المنطقة، وموردو البضائع لم يمانعوا لأن المكاسب متحققة لهم». ومضى كابلي يقول: «بعد فترة من الزمن انتقلت هذه الفكرة إلى المحلات التجارية في أسواق المملكة فاتخذوا نفس الخطوة بحجة أن مواقع المراكز التجارية مكلفة وتحتاج إلى تغطية، الأمر الذي حدا بأصحاب البضائع إلى التماشي مع ذلك، ومن ثم رفع قيمة البضاعة لتلافي فقدان أرباحهم أو تضاؤلها لمستويات متدنية قد لا تكفي أي خطط توسعية في مستقبل عملهم، ومن هنا بدأ ارتفاع الأسعار». مؤكدا أن الأمر لا ينطوي فقط على المراكز التجارية الكبرى الواقعة تحت مؤشر وزارة التجارة والصناعة، فقد دخلت الصيدليات على الخط، وأصحبت بعض الأدوية في المملكة أغلى بكثير من السعر المتداول في بعض الدول العربية المجاورة الأمر الذي ينذر بخطر كبير لأن مسألة السلع الغذائية يمكن للمستهلك أن يبحث عن بديل ويقاطع ما ارتفع سعره منها، أما الأدوية فهذا أمر يمس سلامة المستهلكين ويجب على وزارة الصحة أو الجهة المسؤولة التدخل الفوري والوقف على سبب ارتفاع أسعار الأدوية. وختم كابلي بقوله: «قد يغضب الكثيرون من حديثي لكنني مثل غيري من المستوردين والتجار نكون تجارا ومستوردين على أصناف معينة؛ لكننا في الجهة المقابلة مستهلكين لآلاف الأصناف، ويجب أن نتكاتف جميعا لحل مشكلة التضخم والغلاء لأن المستفيد الحقيقي هو الوطن وأبناؤه». المكاسب 300 % وأوضح رجل الأعمال ماهر العقيلي أن المتعاملين في سوق المستورد وبخاصة اللحوم المجمدة يدركون أن الأسعار متضخمة جدا في السوق المحلية، قياسا بالأسعار التي يتم استيراد البضائع بها، عازيا ذلك إلى ضعف الرقابة، الأمر الذي جعل أسعار كثير من البضائع في السوق المحلية تتخطى حدود المعقول. وقال العقيلي: «في الوقت الذي كان يتفرض أن تكون أسعار اللحوم المجمدة خلال عام 2013 متدنية إلى مستويات أقل مما هي عليه الآن، فاجأنا السوق باستمراره في التعامل مع أسعار اللحوم بنفس الطريقة السابقة؛ بل ويصل في بعض الأحيان إلى تحقيق زيادة في السعر الأمر الذي أدخل بعض المستوردين في مجال قطاع التجزئة بسبب استمرار ارتفاع الأسعار الذي يسفر عنه أرباحا كبيرة». وأضاف: «المستورد غالبا لا يزيد ربحه عن 4 في المائة إلى 5 في المائة لأن هذه النسبة تعد كافية كونه يعتمد على حجم التصريف، فكلما زاد التصريف ارتفع إجمالي الأرباح كما أنه إذا رفع السعر وهو غير مسيطر على السوق فإن التجار سيتركونه، ويتجهون إلى مستورد آخر الأمر الذي يجعلنا في نطاقات نسب ربحية محددة». وتابع عقيلي قائلا: «هناك بعض الأصناف التي أستوردها بقيمة معينة أجدها في السوق تباع بقيمة أعلى من القيمة الاستيرادية بنسب عالية جدا تصل إلى 150 في المائة، وفي بعض المواقع تصل إلى 300 في المائة، وهذا كثير جدا خاصة وأن عام 2013 كان عاما ثقيلا على المستوردين لأن المخازن كانت ممتلئة بالمنتجات ووصل الحد بالبعض إلى البيع بسعر الاستيراد في محاولة منه للتخلص من المخزون المتراكم لديه، ومع ذلك لم يفلح ذلك الخفض في هبوط أسعار السلع». العقيلي الذي شارك في العديد من اللجان المختصة ذات العلاقة بأسعار السلع، قال: «سوق استيراد المجمدات تعرض لضربة قوية خلال العام الميلادي الجاري بسبب 4 أسباب، أحدها اضطرابات بعض الدول المجاورة على الصعيد الإقليمي الأمر الذي زاد من حصص المملكة في كميات الاستيراد، والآخر تصحيح العمالة الذي بدأ من الربع الثاني، والثالث انخفاض نسب حجاج الداخل والخارج ونقص المعتمرين، والسبب الرابع يتمثل في دخول مستوردين جدد بسبب القروض الكبيرة التي قدمتها البنوك لبعض الأسماء التي دخلت إلى السوق بشكل مفاجئ». وأضاف: «كل هذه العوامل أدت إلى توفير المجمدات من اللحوم والخضراوات بشكل كبير جدا فأصبح العرض أكبر بكثير من حجم الطلب فعمد عدد من كبار المستوردين إلى خفض حجم استيرادهم قبل أن يتكبدوا خسائر محتملة في ظل عدم استفادة المستهلك المحلي من هذا الانخفاض السعري لأن انخفاض الأسعار سيشجع المستهلك على شراء المزيد، وكلما ارتفع حجم الطلب يقوم التاجر بطلب المزيد من المستورد، لكن مع الأسف التجار هم الذين استفادوا من الفوارق السعرية فأخذوا البضائع بأسعار رخيصة من المستورد وباعوها بنفس الأسعار المرتفعة على المستهلكين لذلك تم خفض كميات الاستيراد خاصة من شهر رمضان الماضي لأن حجم التصريف كان أقل مما كان عليه الوضع في رمضان ما قبل الماضي». وعن وضع سوق الاستيراد خلال الفترة المقبلة، قال: «درس عدد من المستوردين جميع الحلول، وسيتم اللجوء إلى بعض الخيارات المتاحة لأن مستوردي الدجاج، تكبدوا خسائر كبيرة خلال الفترة الماضية سيستغرقون وقتا للتعافي منها، وكم كنت أتمنى لو أن أسعار الاستيراد لهذا العام انعكست على أسعار السوق المحلية ليستفيد منها الجميع، لأن هذا كان سيخفض عددا هائلا من السلع باعتبار أن سوق المجمدات يؤثر ارتفاعه وانخفاضه على جانب كبير من السوق الغذائي بشكل عام». وأشار إلى أن خمسة أصناف ارتفع سعرها بعد الانتهاء من موسم الحج الأخير أعلاها الكتف النيوزلندي الذي قفز إلى نحو 50 في المائة، أما بعض مقطعات الدواجن، والدجاج الكامل، ولحوم الأغنام المجمدة، وبعض مقطعات اللحوم البقرية مثل ما يعرف ب«التوب سايد»، و«السلفر سايد»، والرمب، والنكل فتراوحت الزيادة فيها ما بين 20 في المائة إلى 30 في المائة. مواقع غالية من جانبه حمل عضو اللجنة التجارية الوطنية في مجلس الغرف السعودية محمود رشوان مسؤولية ارتفاع أسعار السلع إلى تضخم أسعار العقارات خلال عام 2013 في رفع العديد من أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة تصل إلى حوالى 40 في المائة بحسب المعدلات المرصودة في العديد من المدن الرئيسية الكبرى. وأشار إلى أن تأثير تضخم العقارات يصبح جليا عند المقارنة بين أسعار السلع الاستهلاكية في المحلات الشعبية ونظيراتها الموجودة في ما يعرف ب«المولات» والمجمعات التجارية التي تتخذ من وسط المدن والأماكن ذات سعر المتر المربع المرتفع مواقع لها، وقال: «ارتفاع سعر العقار أكثر ما يؤثر على الأنشطة الخدمية، بينما يكون في وضع أقل على مواقع النشاط التجاري، ويصبح تأثيره في أدنى مستوياته على النشاط الصناعي، وذلك بسبب ارتفاع كلفة الإيجارات، وزيادة قيمتها بشكل سنوي». وأضاف: «نجد أسعار السلع منخفضة في المواقع التي يكون إيجارها أقل، بينما يكون سعر نفس السلعة أو المنتج دون تغيير أعلى في المواقع التي يكون الإيجار فيها مرتفعا، وكلما ارتفعت قيمة الإيجار كلما زاد سعر السلعة واتسع الفارق السعري لنفس السلعة في الموقعين المختلفين». وأشار رشوان الذي يشغل منصب عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة المدينةالمنورة إلى أن العملية الاقتصادية عملية تتابعية إذا تأثر جانب أثر على معظم الجوانب الأخرى على حد تعبيره، وقال: «مع الأسف تكون بداية اشتعال الأسعار من كلفة تطوير المتر المربع في الأراضي الخام التي عادة ما تكون منخفضة جدا، وعند الانتهاء من أعمال التطوير والبدء في تنفيذ عمليات البيع للمستهلك يقفز سعر الأرض بنسبة400 في المائة أو 500 في المائة مباشرة ومع استمرار عمليات البيع المتتالية تزداد نسبة الزيادة وهذا ملاحظ كثيرا». وأضاف: «عندما يشتري شخص قطعة الأرض وينشئ عليها مبنى فإن تكلفة البناء مرتفعة لدينا وبالتالي يكون قد حمل أمرين ارتفاع قيمة الأرض، وارتفاع كلفة البناء حينها ليس له مناص من استرداد ما دفعه خلال فترة وجيزة إلا برفع أسعار الإيجارات فيكون عملاء هذه المواقع من أصحاب الأنشطة الخدمية التي تتأثر بشكل مباشر بارتفاع أسعار العقار وهي الأنشطة الأكثر انتشارا وتعاملا من قبل المستهلكين، ومن هنا تبدأ مشكلة ارتفاع أسعار السلع التي هي في الأساس ناجمة عن مشكلة كانت قبلها، وتبدأ دوامة ارتفاع الأسعار». وحذر رشوان الذي يشغل منصب رئيس اللجنة التجارية بغرفة المدينة من تداعيات تسعير العقار، مشيرا إلى أن وضع سقف لأسعار الإيجارات قد يعطل الكثير من الأمور الاقتصادية، ويصيبها بضرر بالغ بحسب وصفه. وقال: «لابد من معاملة هذا الوضع بمبدأ العرض والطلب، وذلك من خلال رفع معدلات العرض عن طريق تسريع عمليات التنمية التي تعكف حكومة المملكة على تنفيذها، والنظر في المشاريع المتعثرة، وإيصال البنى التحتية إلى مواقع كثيرة ومتعدد في مختلف مناطق المملكة حتى تكون تلك المساحات في إطارات العرض الموازي للطلب أو الذي يزيد عن حجم الطلب حتى يمكنها كسر حدة السوق العقاري، وإجباره على التراجع لمستويات منخفضة وهذا حل لا يمكن تلمس نتائجه إلى بعد سنوات عدة». ومضى يقول: «هناك حلول سريعة يمكن اللجوء إليها لتجاوز مثل هذه المشكلة التي باتت تؤثر على المستهلك من أبرزها مسارعات أمانات المدن والبلديات في طرح جميع المواقع التي لديها في داخل المدن والمحافظات وعلى أطرافها للاستثمار بإيجارات منخفضة على المدى الطويل بما يصل إلى 20 عاما هذه المواقع ستجذب أصحاب الأعمال للاستثمار فيها، وبناء مجمعات تجارية عليها، وبالتالي تكون أسعار السلع المباعة في تلك المواقع متوائمة مع كلفة المنتج ولا تزيد عليه بفارق شاسع كما هو الحاصل في السوق المحلية حاليا». مسؤولية العقار وبسؤال رئيس لجنة التثمين العقاري التابعة لغرفة تجارة وصناعة جدة عبدالله الأحمري عن العقار أحد الأسباب الداعية إلى ارتفاع أسعار السلع، قال: «من المؤكد أن العقار هو واحد من الأسباب الرئيسية وليس الثانوية التي تسببت في ارتفاع أسعار السلع داخل السوق المحلية». الجمارك لديها المعلومات وبسؤال عضو اللجنة الوطنية للتخليص الجمركي التابعة لمجلس الغرف السعودية المستشار إبراهيم العقيلي عن حجم الفروقات في الأسعار بين البضائع المستوردة والمباعة في قطاع التجزئة، قال: «أرباح المستوردين محدودة جدا، ويتضح ذلك من البيانات الخاصة بأسعار السلع المستوردة التي يتم إدراجها في قاعدة بيانات الجمارك عندما تصل البضاعة إلى أحد منافذ المملكة، ثم يأتي بعد ذلك الموزع فقطاع التجزئة وكل يضيف هامشا ربحيا معينا، لكن هناك فارقا واضحا وجليا بين الهوامش الربحية الموجودة في السوق وبين سعر الاستيراد.