أدى فوز دونالد ترامب بالرئاسة- وهو المرشح المُثير للجدل وغير العادي- لقلب القواعد السياسية الأمريكية التقليدية للحزب الجمهوري بإثارة زلزال كبير في العالم وصلت ارتداداته إلى أواسط الاناضول، والعجيب أن ترامب حصل بعد فوزه على الكثير من التعاطف الشعبي التركي ومن كافة التيارات القومية والكردية والاسلامية بل وحتى من معارضيه الذين قد يرون في قدومه تغييرا وإثارة وتحديا- رغم خطورته- وهذا يُذكرنا بالقول الشهير ل«جلال شنغور» «نعم أعلم أن الزلزال أمر سيئ جدا لكن أنا كعالم جيولوجي أشعر بأن الأمر يثيرني عندما تبدأ الطبقات الأرضية بالتحرك». الأوساط السياسية التقليدية التركية تُراهن على أن الرئيس القادم لن يستطيع مُخالفة توجّهات «المؤسسة الجمهورية» خصوصاً في القضايا الاستراتيحية حيث الرغبة باستمرار الهيمنة والتفوق، وهنا سيكون بحاجة اكثر من سلفه للحليفة القديمة واستعادة الثوابت في سياسات أمريكا والغرب تجاه تركيا الأطلسية. المؤرخ والأكاديمي التركي «إلبار أورطايلي» خاطب الأتراك والذين يراهنون ويرون في ترامب حليفا لهم بقوله: «أرجو ألا يُصدموا مستقبلا»! ويضيف «كرسي السلطة الأمريكي لا يزال كما هو لم يتغير.. هو كرسي يرفع من شأن الإنسان كثيرا، ولكن على جانبيه من اليمين والشمال يوجد مسامير.. وهذه المسامير «تنغز» كل من يتحرك فوقه بحرية أكثر من اللزوم.. وترامب على خطى أسلافه سوف يغير هو أيضا من خطابه الخشن ويتنصل من وعوده عندما يصطدم بالظروف التي ستدفعه لذلك». نعم بعض الشعور الشعبي في تركيا رأى شخص الرئيس اردوغان السياسي في «ترامب» والذي خُلق من العدم السياسي بكل ما للكلمة من معنى؛ فهو ظهر للشعب الأمريكي الساخط كمرشح مفاجئ وصارم وناقم ومضحك في نفس الوقت.. فترامب كان مرشحا لم يتوقعه حتى الجمهوريون أنفسهم، لكن أرستقراطيي الحزب اضطروا في النهاية للقبول بهذا المرشح غير المتوقع. الأكاديمي التركي اليهودي «صولي أوزال» يُبدى قلقه من تصاعد موجة التطرف في اليمين الأوروبي والذي سوف يكون له تأثير الدومينو.. فبعد صدمة «استفتاء بريكست» فسيكون لانتخاب ترامب تأثير إيجابي مُضاف على بقية الأحزاب اليمينية والشعبوية في أوروبا ويزيد من فرص نجاحهم.. وهذه ليست اخبارا جيدة بالمطلق لأنقرة. الجنرال فلاين والذي من المتوقع أن يصبح مستشار الأمن القومي لترامب شبه غولن في مقالة تحت عنوان «علينا بإصلاح العلاقات مع تركيا» بالخميني وبابن لادن، وهذا قد يعني أنهم سيفعلون شيئا ما لحل مسألة غولن.. لكن كانت هناك رسالة أخرى سيئة في هذه المقالة، أنهم يتوقعون من تركيا أن تبلور نظاما يكون فيه البعد العلماني بارزاً بشكل أكبر.. فوليد فارس وهو مستشار آخر لترامب تحدث عن النية بإعلان «الإخوان المسلمين» كمنظمة إرهابية.. وبالنظر إلى العلاقات القريبة التي تربط الإخوان المسلمين بالحزب الحاكم في تركيا وبالرئيس اردوغان، لذا فإن الفرحة بترامب لن تكتمل في ظل بروز أزمة أكبر حول مسألة تعتبرها إدارة ترامب أساسية لها؛ وهذا سيعني أن الأزمة تكون قد بدأت. مسألة غولن تأتي على رأس الأسباب التي أسعدت مناصري الرئيس اردوغان بخسارة هيلاري كلينتون -والتى تلقت تبرعات من مؤسسات غولنية حسب مصادر تركية- إلى جانب ما كانت تؤكده من أنها ستواصل دعمها لحزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي، لكن اذا تم تسليم السياسة الأمنية إلى البنتاجون.. وهو من أسس للعلاقات مع حزب «الاتحاد الديمقراطي»،- عدو تركيا– فهذا سيعني أن سياسة ترامب قد لا تختلف عن أوباما، ولن يأتي بجديد لمن فرح بانتصاره في تركيا.. أخيراً ف«غيغريتش» والذي قد يصبح مخطط ومؤسس استراتيجية ترامب من اشد المعجبين بأتاتورك بسبب تحويله تركيا إلى دولة حديثة وعلمانية قريبة من الغرب أي كما كانت قبل وصول اردوغان للسلطة، ولذا يحذر أحد الاكاديميين الأتراك من جرعة الحماس والتفاؤل ممن يرون في ترامب خلاصا لهم أو حليفا لهم من أن يصابوا هم بالصدمة الحقيقة.. ف «هؤلاء قد نراهم قريبا وهم يحاولون شرب الماء في كأس فارغة».