على الرغم من أن المشايخ والمراجع الكبار أصبحوا يمتهنون الدبلوماسية وينشئون كلاما دينيا مواربا، يسمح بتفسيرات عدة، يصلح لخدمة مواقف سياسية معينة، إلا اننا لم نسمع عن المرجع علي السيستاني ما يشير الى اجتثاث السنة علنا، غير فتواه بعدم مقاتلة الامريكان الغزاة، وفتوى الجهاد الكفائي، واليوم وبعدما وصلت الدماء الى الركب، وأصبح الذبح فنا عدميا، يستجيب المرجع السيستاني لضغط الواقع الشيعي في جنوبالعراق، ويؤكد على نبذ الفرقة، ويقدم خطابا جامعا للسنة والشيعة في مساعدة المهجرين، لكن هذا الخطاب كان من الأولى ان يكون شاملا، بحيث يرفض السيستاني الفرقة السياسية ونظام المحاصصة الطائفية، وألا يقتصر الأمر على مساعدات منكوبي الفلوجة والانبار، فهم بين سندان داعش ومطرقة الحشد الشعبي. «قدموا لهم المأوى والمال والطعام دون أن تسألوهم: هل هم شيعة أم سنة أم غير ذلك، ان السنة والشيعة والمسيحيين وغيرهم هم أهل العراق عاشوا سويا في هذه الأرض من مئات وآلاف السنين». وأضاف: «عندما هجم داعش ومن يدفعهم على مدن العراق، وقتلوا وعاثوا فسادا أفتيت بوجوب الدفاع عن النفس والمقدسات وجوبا كفائيا ضد الأجانب وليس ضد العراقيين من إخواننا أهل السنة» لكن الغايات والمقاصد الدينية على غير ما هي عليه المقاصد السياسية، فقد كان المرجع السيستاني ومكتبه يطالعون ما يجري في المناطق السنية من عمليات اجتثاث ديموغرافي لصالح ايران، وان الحشد الشعبي أحرق الاخضر واليابس من أجل ايران، وكان على المرجع السيستاني ان يدعو ايضا بعدم الانتقام من الشعب العراقي وعدم تهجير مواطنيه، والتفريق ما بين المعارضة السياسية والارهاب. ثلاثة عوامل رئيسة دفعت مكتب السيد السيستاني لاصدار فتواه ودعواه بنبذ الفرقة، ودعم العراقيين على اختلافهم، وعدم سؤالهم عن طوائفهم ومذاهبهم، حيث جاءت دعوى السيد المرجع السيستاني متأخرة جدا، لشخص له القول الفصل في العراق، فجميع الاحزاب الدينية التي تمثل المكون الشيعي لا تحيد عن توجيهاته ورغباته، لدرجة ان هناك انتقادات للمرجع السيستاني من قبل مراجع عراقية، أكدت أن ضعف المرجعية وغيابها ساهم في القتل والفساد الذي يعيشه العراق اليوم، وان المرجعية الصامتة كان يجب عليها ان تنطق بالحق في فاصل دام من تاريخ العراق السياسي، ما جعل هذه المراجع تخرج عن السيستاني مطالبة بنبذ الفرقة والكراهية والتصنيفات الدينية، ودعم الهوية الوطنية الجامعة للعراق والعراقيين، ومحاربة الفساد والاحزاب الدينية التي اعطت غطاء ومبررا شرعيا للفساد، وقد كانت دعوات المرجع الصرخي مجلجلة رغم الحصار المضروب عليه من قبل الأحزاب الدينية والميليشيات الايرانية، وهذه العوامل هي اولا: ان العملية السياسية في العراق وصلت الى ذروتها وهي في طور الاحتضار، لولا عمليات الانعاش الايرانية، وثانيا: ان الجمهور الشيعي من بغداد الى البصرة أصبح يحمل المرجعية مسؤولية صمتها عما يجري، وقام بتجاوزها بالمطالبة بطرد النفوذ الايراني ومحاكمة رموز الفساد والاحزاب الدينية، ورفض المنطق الطائفي في سياسات الحكومة العراقية وهياكل السلطة، وثالثا: ان حراكا عراقيا شيعيا سنيا بات يركز على الهوية العراقية، أخذ يتطور ويتكامل ويصنع اطره وهياكله وأصبح قوة، حيث باتت ايران تتخوف منه، ما دفعها للاقتصاص من رموزه، وايضا افتعال الازمات للتغطية على صعوده. اننا نرفض التهجير لأي مكون عراقي، أو استهداف على أساس طائفي، أو اجتثاث لأسباب سياسية، ونرفض ان ينظر الى الشيعة العرب أنهم جزء من ايران، فهذه هي الدعاية الايرانية التي عملت على تكريسها، لتحقيق العزلة والفجوة ولعبة الدم. فاليوم يدرك شيعة العراق وسنته أن ايران تستخدم الجميع لخدمة مصالحها القومية، وان تفكيرها الاستراتيجي يتطلب وجود عراق ضعيف ممزق ومتهالك غير قابل للوحدة والانسجام، وتعمل بمنهجية انجليزية تجعل الجسد الواحد قابل للاشتعال بما فيها الجسد الشيعي، وكلنا ضد الارهاب، لكن علينا ألا نصبح طبولا جوفاء في استلام المعلومات دون تفكيكها. فداعش ارهابية، لكنها اداة تخدم من لهم مصالح في تجزئة العراق وتقاسم ثرواته، لان داعش وفرت الذرائع للتدخل، ولانها ساهمت في تعزيز الانقسام والصراع الطائفي، وعملت على تشويه صورة السنة، فمهمة داعش واضحة، ولا تقبل مزيدا من التحليل والتفكير، وعلينا ان نرى من يعرض وحدة وسيادة واستقرار العراق للخطر، من مازال مصرا على المحاصصة الطائفية، ومستميتا في ابقاء جذوة الصراع الطائفي في العراق، لتنظروا الى خطاب نوري المالكي وهادي العامري وجمال ابراهيمي (ابومهدي المهندس) وكلهم عملوا مخبرين لايران منذ الثمانينيات وحتى اليوم، فهؤلاء يخدمون ايران ووجود داعش يخدم مهمتهم. نرفض تفجير بيوت الله سواء كانت مساجد للسنة او حسينيات للشيعة وحتى الكنائس المسيحية واليهودية، ومعابد الصابئة وأصحاب الطرق والمذاهب الدينية، ونرفض ان يكون الصراع باستخدام القوة والخروج على الدولة، ففي عز أزمة الفلوجة الدامية، التي قتل فيها الاف السنة، من قبل داعش والحشد الشعبي، كنت أراقب بعض الأصوات السياسية السنية التي كانت تعارض ومازالت حكومات المحاصصة الطائفية، إلا انها أعلنت موقفا داعما لحكومة حيدر العبادي ومشروطا بمحاربة الارهاب، وتخليص المناطق السنية من داعش، لان الحكومة لو كانت ظالمة أفضل بكثير من وجهة نظرهم من ميليشيات تعمل بنظام التأجير المنتهي بالتمليك، رغم اننا ما زلنا على معرفة أن ثلاث دول رئيسة مستفيدة من داعش وداعم لها وهي امريكا واسرائيل وايران. علينا ان نتجاوز الانتماءات الضيقة والمسطحة للعقل، وان نفكر في أن الدول تبحث عن مصالحها، فأمريكا لا يهمها ان تصبح في بلاد العرب ديمقراطيات، وايران لا يهمها الشيعة قدر اهتمامها بمصالحها، وان الخراب والدمار للبشر والشجر والحجر وللثروات لا يطال الا العراق والعراقيين ولا يدفع ثمنه غيرهم، وان ما يجري مخالف لطبيعتهم كما يؤكد المرجع السيستاني، فقد عاشوا تاريخا طويلا من التعايش والتجانس والوفاق والتصاهر والتزاوج. بالأمس وفي إحدى الدول الغربية التي تتباكى انسانيا على العراق، حاولت إحدى الهيئات في هذه الدولة تجنيد مسيحيين عراقيين للعمل ضد بلادهم لتأجير ضميرهم الوطني، في ظرف قاس على العراقيين جميعا، بعضهم لا يلام على ما يفعل، لكن سيدة مسيحية خرجت وبكل ارث العراق الحضاري لتقول: «لن نخون العراق والعراقيين، لم نشعر بأننا أغراب الا عندما ارادت امريكا تحريرنا في وطننا، عندما أصبح الجار يغدر بجاره والاخ بأخيه بسببهم. كنا نأكل في بيوت السنة والشيعة ولم نعلم بأن هذا سني أو شيعي، كنا نتبادل معهم كل شيء الزيارة والمؤونة والمعونة والستر والدفء، وهذا لم ولن تحققه لنا امريكا ولا دولارات امريكا. قالت: جميع من يسكنون حولنا كانوا مسلمين وكنا نأكل من خبز العباس وحلاوة العيد والاضاحي، كلنا عراقيون ونعبد الها واحدا، انا عراقية وسأبقى عراقية لن تفرقنا الاديان والمذاهب» فهل تفعلها المرجعية الصامتة، وتخرج عن صمتها بنداء وطني جامع للعراقيين بمختلف مكوناتهم، فلم يعد أمام المرجعية مهرب، إلا ان تصطف الى جانب العراق والعراقيين أو تعلن تبعيتها للمشروع الايراني.