منذ 13 عاما والعراق يعاني نفس المشكلات، لا سلطة سياسية متوازنة، ولا أمن واستقرار، وكلما واجهت حكومات العراق، ضغوطا شعبية، كانت ايران حاضرة في التفاصيل، وكانت مهمة الاحزاب الدينية تبرير سياسات الفساد والفوضى القائمة، مما استدعى المرجع علي السيستاني لرفع الدعم عن منظومة الحكم التي رهنت إرادة العراق وسيادته لصالح ايران، واليوم تعمل على محو هوية الشيعة العرب واعتبارهم جزءا من الهوية السياسية لفارس.الارهاب في العراق جزء كبير منه ممارسة سياسية، فحل الجيش العراقي السابق، واجتثاث السنة، وغياب التمثيل العادل لهم في السلطات السياسية، وغياب التنمية نتيجة تعاظم الفساد، جعل العراقيين سنة وشيعة يلتقون على هم واحد، بأن هذه حكومات فاسدة وتابعة لايران، ولا حل للعراق الا بتغيير العملية السياسية، وانهاء نظام المحاصصة الطائفية.هذا الاجتثاث، هو المنتج الرئيس للتطرف، والاستعاضة عن الجيش العراقي كجيش وطني ومؤسسة وطنية عراقية، بمئات الميليشيات وتبعيتها لايران، وتنفيذ اجندتها الداخلية واحد من الاسباب الباعثة على الارهاب والتطرف، لان ايران لا تريد عراقا مستقرا، وتريد عراقا متصارعا طائفيا، لخدمة اهدافها ومشاريعها.لم يكن في التنظيمات الارهابية منذ التسعينيات حتى احتلال العراق عام 2003 عراقي واحد، ولم تكن الطائفية جزءا من منظومة المجتمع العراقي، وكانت الاسرة العراقية متنوعة فيها سنة وشيعة من نفس العائلة، فعوائل الشمري فيها السنة والشيعة، وكذلك جبور، والدليمي، وهكذا، وكانت الألفة والتعاون حالة تعايش واضحة، لم تظهر الا ببروز الدور الايراني في العراق، ومع المجاميع العراقية التي رهنت ارادتها مبكرا للاستخبارات الايرانية منذ الثمانينيات. نحن ضد الارهاب على اختلاف اشكاله، ومهما كانت طبيعته السني منه والشيعي، وضد تنظيم داعش الارهابي، الا ان مجازر ميليشيات ايران لا تقل قسوة وحقدا وطائفية عما تقوم به مجاميع داعش، في العراق وسوريا، ونحن نعلم علم اليقين أن هذه التنظيمات مخترقة، وأن ايران والنظام السوري، ضالعان في وجودها، منذ كانت ايران ملاذا آمنا لهم.الفلوجة التي تجتث اليوم خدمة لايران، هي سياسة ايرانية قائمة على تعزيز البغضاء بين السنة والشيعة العرب، وجعل امكانات التوافق والتفاهم غير ممكنة، كما ان تحرير الفلوجة، هو ايضا محاولة للهروب من الأزمة الحقيقية، وهي فشل العملية السياسية، والفساد المالي، والتبعية لايران، والتي جعلت الشعب العراقي على اختلاف مكوناته مدركا تمام الادراك، أن العراقيين ليست لديهم عصبية طائفية، وانهم أهل تعايش واجتماع، والفلوجة تكاد تكون صورة عن هذا التعايش، فرغم ما يتم وصفها به زورا وبهتانا بأنها قاعدة للارهاب، فإنها المدينة الوحيدة في العراق التي يقطنها السني الى جانب الشيعي والمسيحي الى جانب اليهودي، والتي يعمل فيها الجميع في مؤسسات واحدة منذ زمن طويل، وهي المدينة التي لم يقتل فيها عراقي بسبب دينه او طائفته، لا بل هي الاقل نسبة في الجريمة وفي انتشار المخدرات، وهي مدينة العلم والتسامح.ان جريمة هذه المدينة، انها مدينة المساجد، لان الاستهداف الذي يطال المدينة يفوق بحجمه قوة داعش التي لا تتجاوز 5 آلاف ارهابي، بينما تضم المدينة الآن ما لا يقل على 300 الف مواطن عراقي، كما ان استهداف دور العبادة يوضح ابعاد الجريمة، فما ذنب بيوت الله ان تهدم، وان تستباح العوائل والاسر بلا رحمة او رأفة او دين او انتماء، الا يكفي ان أهل الفلوجة كانوا صامدين ضد داعش لسنوات طوال في ظل غياب الحكومة العراقية، التي وجدت اخيرا ضرورة تحرير المدينة، فمن هو الاحق بالمحاسبة، الفلوجة ام من ترك الحبل على غاربه لتنظيم داعش الارهابي؟