ثلاث زيارات خلال شهر قام بها مسؤولون أمريكيون الى العراق، الزيارات الثلاث، رفضت الادارة الامريكية أن تكون باستقبالات رسمية، كمن يزور مزرعة، أو قاعدة عسكرية، وكانت الاجتماعات تتم حسب الطلب، لا أحد يجرؤ على ممارسة دور خارج الدور المرسوم، حتى نوري المالكي صمت هذه المرة، ومقتدى الصدر ولى هاربا نحو ايران، ولم يبق في الميدان، إلا المرجع علي السيستاني، وحيدر العبادي، وبرلمان مستباح، بقرار من ايران، ومحاولة ايرانية لرفض تكنوقراط العبادي، التي ستفضي برأيهم الى نهاية المحاصصة الطائفية. ماذا بقي في العراق، النفط ابتلعته ايران والميليشيات، والاثار نهبت بغطاء ايراني ايضا، وداعش يعزز الطائفية، ويساعد ايران على سياسة الاجتثاث الديموغرافي، وأمريكا تهندس استعادة الموصل وفتح الفلوجة، لتتناسب والانتخابات الامريكية، فانتصار هيلاري كلينتون يحتاج الى نصر، ولا نصر يمكن إلا على داعش، والارهاب والقاعدة، فالسياسة الأمريكية، توظف ذلك لخدمة مصالحها الداخلية والخارجية، ولهذا كانت هذه الزيارات لهندسة العراق الجديد. في البداية كانت زيارة وزير الخارجية جون كيري، الذي دعم حكومة حيدر العبادي، وحكومة التكنوقراط، التي تضم 6 حقائب تتبع (سيد الإصلاحات) مقتدى الصدر-الذي كان يطالب ضمن خطاب فهلوي (شلع قلع)- بشلع الرئاسات الثلاث، لان هذا ما تطلبه ايران، كي يأتي الصوت الامريكي العقلاني برفض هذا الاتجاه، وليجتمع جو بايدن، بالعبادي والجبوري، بينما لم يحصل فؤاد معصوم سوى على اتصال هاتفي فقط، بينما اجتمع بايدن مع مسعود برزاني، لان المخرج الامريكي يطلب مساعدة كردية، للقوة الامريكية التي ستجتاح الموصل، وإعلان النصر الكبير جدا. التسويق الامريكي الهادئ والبطيء جدا هذه المرة يقوده مخرج هوليودي كما يظهر، فالناخب الامريكي تبهره الحركات والانتصارات، وتبهره امكانات الرئيس أوباما الذي أعاد -قبل أيام- ذكرى مقتل أسامة بن لادن، كأنه يريد ان يذكر الامريكان بذلك الفيلم رديء الاخراج، لكنه لدى الامريكان حالة انتصار، يجب ان يدفع ثمنها المواطن الامريكي بالتصويت الى جانب هيلاري كلينتون. اشتون كارتر-الذي استقبله السفير الامريكي في بغداد ايضا- قال: دعم حكومة العبادي وبقاء الرئاسات الثلاث شرط امريكي وخط أحمر امريكي، ترتبط به معركة الموصل، وبايدن قال: لا دعم امريكي ولا بنك دولي دون دعم إصلاحات العبادي، ومنذ متى امريكا تشترط على ايران، ولماذا أصبح العبادي قائد ضرورة هذه الايام بالنسبة للامريكان، في توقيت كانت فيه واشنطن والرئيس أوباما أول من ازدرى القيادات العراقية من نوري المالكي الى العبادي، الأمر الذي يعني أن حكم بغداد هو تفاهم بين واشنطن وطهران. الادارة الامريكية استدعت -ولمدة أسبوعين- بعض قادة الكتل البرلمانية، في ضيافة وفرمتة كاملة، فالخطة تقتضي تحرير الموصل واستعادة الانبار وطرد داعش، وهذا يتطلب قوة داخلية تحمي هذه المدن من عودة داعش، وبهذا تسهم ايران -بالتعاون مع امريكا- في تأسيس الاقليم السني الجديد، الممتد من الموصل الى أطراف بغداد تجاه المنطقة الغربية من العراق، وهذا التدشين سيسمح ايضا إما بتفاهم الكيانات الثلاثة والسلطات الثلاث، أو الانقسام والاستقلال، حيث يلمح الاكراد -منذ فترة- الى إعلان الانفصال والاستقلال. يبدو أن مخطط بايدن -القديم الجديد- استدعى وجود القاعدة، ومن ثم داعش، وايران اضطرت لايجاد داعش لتكون هناك مبررات للتدخل في العراق، فداعش تقتل الشيعة، وليس للشيعة أب غير ايران، ولان الجيش العراقي جيش الدولة، لم يصمد في مواجهة داعش، فقد قررت ايران الاستعاضة عنه بالجيش الطائفي «الحشد الشعبي» وعليه، بدأت القسمة تتضح، ولم يكذب البعض خبرا، بل تم تشييد سور في بغداد فاصل بين السنة والشيعة، ورفضوا دخول أهالي الانبار بغداد، إلا بوجود كفيل شيعي، وكيف يمكن الحصول عليه، وايران جعلت الاخ يقتل أخاه في العراق الجديد. في بغداد ومحافظات الجنوب حراك شبابي وشيعي في معظمه يتنكر للطائفية والأحزاب الدينية، والولاء لايران، ويعتبرها أساس مصائب العراق، وهذا الحراك، بدا كالطوفان، في ظل عملية سياسية فاسدة حتى العظم، لا تنمية ولا مسؤولية ولا هوية، وبات الماضي أفضل بكثير من الحاضر. وبات المرجع الشيعي السيد الصرخي مطاردا مرة من اقطاب الفساد، ومرة من الاستخبارات الايرانية، لانه طرح مشروعا وطنيا للاصلاح، متجاوزا الطائفية، مؤمنا بأن العراق للجميع، وبضرورة اخراج ايران من العراق. اليوم العراقي انفضحت امامه كل العناوين الخادعة، باسم الدين وايران وولاية الفقيه، وحقوق الشيعة المهضومة، والاضطهاد السني، وأصبح يرى أن المحاصصة الطائفية والاجتثاث، وعمليات القتل الممنهجة والقذرة كلها نتاج الفساد وسياسة ايران، التي ستبقي العراق منطقة عدم استقرار، كي تضمن استقرارها، لكن لم تدرك ايران أن الشيعة التي حاولت تشويه هويتهم العربية ووطنيتهم العراقية، فيهم جين خاص سرعان ما يردهم الى أصلهم، حتى وان كان في ذلك مغامرة دامية. شعية العراق، من العرب الاقحاح، ممن كانوا مع الدولة ووحدة الأراضي العراقية، وهم قاموا بثورة العشرين ضد الاحتلال الانجليزي، رغم سياسات الانجليز القائمة على نظرية فرق تسد، والاساءة للقبائل العراقية بانها عميلة لبريطانيا، ولربما ما لا يجهله البعض ان الانجليز في العراق، عانوا حصارا مجتمعيا كبيرا. رفضت القبائل التعامل معهم، وسادت في ظل الاستعمار الانجليزي أفضل بيئة تعايش بين العراقيين، ردا على التحدي الخارجي لهم ولبلدهم وهويتهم، وفي الثمانينات كانت قيادات الجيش العراقي من الشيعة العرب، وكذلك أبرز وزراء الحكومات العراقية، لكن ميليشيات ايران، كانت تتصنع المظلومية، في حين كانت امريكا وبريطانيا تحتاجان لمبررات للتدخل في العراق. اليوم تظهر امريكا مفاتنها الانسانية بالغيرة على العملية السياسية، وعلى سنة العراق، باعتبارهم همشوا في حكومات المحاصصة الطائفية، وبسبب تنظيمات وميليشيات تأتمر بأوامر ايرانية، وصار من المناسب والضرورة اقامة كيان سني وحرس وطني سني، لكنها لا تعلم بأن السنة والشيعة من الوطنيين يرفضون تقسيم العراق، ويرفضون المحاصصات الطائفية، وألا حل في العراق إلا بعملية سياسية جديدة، ولن تفيد حكومات «الترقيع» المزيفة التي تدعي الوطنية، وخدمة المواطن العراقي، فعراق ما بعد نوري المالكي لا يملك دفع رواتب موظفيه في القطاع العام، وهو اشبه بدولة مفلسة، وتفتقد الى الأمن والاستقرار. لا مجال أمام العراق اليوم، إلا خيارينك، الأول باتجاه تجاوز الماضي الدامي، والتأسيس لدولة عراقية جديدة بعيدة كل البعد عن الطائفية والمحاصصة، والسيطرة الايرانية، دولة لمواطنيها على اختلاف مذاهبهم ومكوناتهم، تتلقى الدعم من مختلف الدول القادرة، أو الخيار الثاني: وهو الاقرب للاحتمال، وهو خيار الفوضى الطاحنة التي ستحرق كل شيء.